عنوان الفتوى : أوقات الاستئذان وحكمه مع وجود الأبواب والستر
في آية الاستئذان رقم 58 في سورة النور.. هل الاستئذان يقتصر فقط على هذه الأوقات الثلاثة حتى في عصرنا هذا مع وجود الأبواب والفصل بين الغرف.. بحيث لو دخل الطفل غرفة أبويه فجأة في غير هذه الأوقات وكانوا في وضع محرج، فهل لا إلزام عليه بالاستئذان، وهل الآية تشمل الجواري والعبيد الذكور في عدم الاستئذان في غير هذه الأوقات، وما معنى (فليستئذنوا كما استأذن الذين من قبلهم) في الآية التالية 59؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد ذكرنا تفسير آية الاستئذان في الفتوى رقم: 11327 وبينا حكم الاستئذان فيها.
وأما سؤالك هل يقتصر الاستئذان على تلك الأوقات الثلاثة، فالجواب عنه أن استئذان غير من ذكروا في الآية من المماليك والصبيان عام في جميع الأوقات فلا يدخلون بغير استئذان، كما في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {النور:27}، وأما الصبيان والمماليك ذكوراً وإناثاً صغاراً أو كباراً فليس عليهم الاستئذان إلا في تلك الأوقات الثلاثة التي هي مظنة كشف العورات.. دفعاً للحرج لكثرة طوافهم، كما قال الله تعالى: طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {النور:58}، قال الطبري: حكم ما ملكت إيماننا من ذلك حكم واحد سواء فيه حكم كبارهم وصغارهم من أن الإذن عليهم في الساعات الثلاث. لكن إن جرت العادة بكشف العورات في البيوت بعد العصر مثلاً فيصير ذلك وقت عورة فلا يلجون دون استئذان لأن الله سبحانه وتعالى نص على علة المنع من الولوج وهي كشف العورة، وقال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وفي قوله (ثلاث عورات لكم) نص على علة إيجاب الاستئذان فيها. فأيما وقت صار عورة لدى الناس ولو خارج تلك الأوقات الثلاثة فإنه يشرع فيه الاستئذان ويلزم به المماليك والصبيان ستراً للعورات وتحقيقاً للمعنى الذي شرع في الآيات.
وأما تفسير قوله تعالى: وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {النور:59}، فقد قال الطبري: وإذا بلغ الصغار من أولادكم وأقربائكم (الحلم) يعني الاحتلام... {فليستأذنوا} أي: فلا يدخلوا عليكم في وقت من الأوقات إلا بإذن لا في أوقات العورات الثلاث ولا في غيرها وقوله (كما استأذن الذين من قبلهم) أي: كما استأذن الكبار من ولد الرجل وأقربائه الأحرار وخص الله تعالى في هذه الآية الأطفال بالذكر دون ذكر ما ملكت الأيمان لأن حكم ما ملكت أيماننا من ذلك حكم واحد سواء فيه حكم كبارهم وصغارهم من أن الإذن عليهم في الساعات الثلاث التي ذكرها الله في الآية التي قبل. انتهى منه مختصراً.
وخلاصة القول أن الصبيان والمماليك إنما يؤمرون بالاستئذان في أوقات انكشاف العورات عادة, فإن بلغ الأطفال الحلم أمروا بالاستئذان كغيرهم من البالغين الأحرار، وقد زعم قوم أن حكم الآية منسوخ لوجود الحواجز التي تمنع النظر من الغرف والستر، قال البغوي: واختلف العلماء في حكم هذه الآية: فقال قوم: منسوخ قال ابن عباس رضي الله عنه: لم يكن للقوم ستور ولا حجاب فكان الخدم والولائد يدخلون فربما يرون منهم ما لا يحبون فأمروا بالإستئذان، وقد بسط الله الرزق واتخذ الناس الستور فرأى أن ذلك أغنى عن الاستئذان. وذهب قوم إلى أنها غير منسوخة... قال سعيد بن جبير: إن ناسا يقولون نسخت والله ما نسخت ولكنها مما تهاون به الناس.
وهذا القول هو الراجح لأن الأبواب والستر لا تمنع انكشاف العورة إذا فتحت فيستأذن لفتح الأبواب الموصدة وكشف الستر المرخاة.
والله أعلم.