عنوان الفتوى : مقترف الاستمناء قد ابتغى وراء ما أحله الله
من خلال استعراضي للفتاوى المتعلقة بالاستمناء وجدت أنه لا يوجد نص صريح يحرمها رغم أن هذه العادة ليست بالجديدة. ما أريد قوله إن القياس والاجتهاد يكون في أمور في العادة غير موجودة على زمان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وبالتالي ألا يفهم من سكوت الشرع عن هذه العادة على أن الاستمناء حلال، فكما تعلمون أن أصل الأمور الإباحة وعن النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ، وحدّ حدوداً فلا تعتدوها ، وحرم محارم فلا تنتهكوها ، وسكت عن أشياء رحمة لكم من غير نسيان فلا تسألوا عنها ".. أما قوله تعالى (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت إيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) فقد فسره بعض العلماء بالزنى ولم يذكروا الاستمناء. ألا توافقوني الرأي أن هذه العادة تساعد بالابتعاد عن الزنا، فهي تطفئ التهيج بشكل كبير وبالتالي فهي تساعد بصورة أو بأخرى على الاستعفاف (وهنا أريد أن أؤكد على أني لا أقصد الاستمناء الذي يكون مصاحبا للنظر للمحرمات). وأريد أن أنهي سؤالي بالآثار الصحية للاستمناء، فقد قال البعض بوجود آثار سلبية صحية للاستمناء، وأنكر ذلك آخرون والغالب أن أثرها نفسي أكثر من أي شيء آخر. وأكرر هنا وبافتراض أن هنالك تأثيرا صحيا كان ديننا الحنيف حرمها بشكل صريح كما حرم لحم الخنزير وإتيان المرأة من دبرها لما لتلك الأمور من تأثيرات صحية. آسف للإطالة، ولكن هذا الأمر يحيرني حقيقة وباركم اللهم بكم وبجهودكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فتحريم الاستمناء هو مذهب جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، وقد استدل هؤلاء العلماء الذين لا يحصون كثرة بقوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ {المؤمنون: 5-7}. وقد سار على القول بالتحريم والاستدلال بهذه الآية المباركة جمع كبير من علماء العصر.
وتفسير قول الله تعالى: فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ. بأن المنهي عنه فيها هو الزنا دون غيره من الاعتداء، مخالف لما عليه جمهور أهل العلم.
وإليك كلام الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في حكم الاستمناء، قال رحمه الله في تفسير الآيات السابقة: تدل بعمومها على منع الاستمناء باليد المعروف بجلد عميرة، ويقال له: الخضخضة، لأن من تلذذ بيده حتى أنزل منيه بذلك قد ابتغى وراء ما أحله الله، فهو من العادين بنص هذه الآية الكريمة المذكورة هنا وفي سورة سأل سائل. وقد ذكر ابن كثير أن الشافعي ومن تبعه استدلوا بهذه الآية على منع الاستمناء باليد. وقال القرطبي: قال محمد بن عبد الحكم: سمعت حرملة بن عبد العزيز قال: سألت مالكا عن الرجل يجلد عميرة، فتلا هذه الآية: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلى قوله: الْعَادُونَ.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الذي يظهر لي أن استدلال مالك والشافعي وغيرهما من أهل العلم بهذه الآية الكريمة على منع جلد عميرة الذي هو الاستمناء باليد، استدلال صحيح بكتاب الله، يدل عليه ظاهر القرآن، ولم يرد شيء يعارضه من كتاب ولا سنة. وما روي عن الإمام أحمد مع علمه وجلالته وورعه من إباحة جلد عميرة مستدلا على ذلك بالقياس قائلا: هو إخراج فضلة من البدن تدعو الضرورة إلى إخراجها فجاز قياسا على الفصد والحجامة، كما قال في ذلك بعض الشعراء:
إذا حللت بواد لا أنيس به * فاجلد عميرة لا عار ولا حرج
فهو خلاف الصواب، وإن كان قائله في المنزلة المعروفة التي هو بها، لأنه قياس يخالف ظاهر عموم القرآن، والقياس إن كان كذلك رد بالقادح المسمى: فساد الاعتبار، كما أوضحنا في هذا الكتاب المبارك مرارا، وذكرنا فيه قول صاحب مراقي السعود:
والخلف للنص أو إجماع دعا * فساد الاعتبار كل من وعى
فالله جل وعلا قال: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ، ولم يستثن من ذلك البتة إلا النوعين المذكورين في قوله تعالى: إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ، فصرح برفع الملامة في عدم حفظ الفرج عن الزوجة والمملوكة فقط، ثم جاء بصيغة عامة شاملة لغير النوعين المذكورين، دالة على المنع وهي قوله: فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون. وهذا العموم لا شك أنه يتناول بظاهره ناكح يده، وظاهر عموم القرآن لا يجوز العدول عنه إلا لدليل من كتاب أو سنة يجب الرجوع إليه. اهـ
ونظن أن هذا القدر كاف للرد على الشبهة التي جئت بها.
والله أعلم.