عنوان الفتوى : أحاديث صلاة العصر
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نحن نعلم أن دين الإسلام يسر وليس عسرا ، لكن هناك أحاديث حول ترك صلاة العصر وهذه الأحاديث هي : (من ترك صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله) و(من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله) و(من ترك صلاة العصر مع الجماعة إن أصابته مصيبة لا يلومن إلا نفسه)، لنفترض إن الإنسان قد رجع إلى بيته مرهقا من العمل ولا يستطيع أن يصلى صلاة العصر مع الجماعة ويصليها فى بيته، طالما أن ديننا هو دين يسر وليس عسر فهل يعقل أن يحبط عمله بمجرد تركه لهذه الصلاة لظرفه المذكور، ويفقد أهله وماله ، وتصيبه مصيبة ما ؟ أرجو إفادتنا وتوضيح صحة هذه الأحاديث. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نعم إن الدين يسر ، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه الدين ، وما يريد الله ليجعل علينا في الدين أي حرج ، ولكن المقصود بالحديث الأول الذي يحذر يخبر بأن تارك العصر يفقد خيرا كثيرا كأنما فقد أهله وماله، والحديث الثاني الذي يخبر أن من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله ؛ ليس معناهما من ترك جماعة العصر ، وإنما المراد من ترك العصر عامدا بغير عذر حتى خرج وقتها بالغروب ، ثم إن المقصود بـ” حبط عمله ” : ضياع ثوابه ، وليس بطلان كل أعماله ، أو حتى بطلان هذه الصلاة إذا قضاها ، إلا أن يستحل تركها فيكون كافرا فيبطل عمله .
وأما الحديث الثالث الذي فيه أن ترك جماعة العصر يجلب المصائب فلم نجده في الكتب التسع الصحاح.
فمن وجد مشقة في حضور جماعة العصر وصلاها في بيته في وقتها لا يدخل تحت الوعيد ، فلا يحبط عمله ولا يكون كمن فقد ماله وأهله، ولأن صلاة الجماعة سنة وليست فرضا ، وفقا لرأى الجمهور ، وهو الراجح ،ولو كانت فرضاً لا يأثم من تركها لعذر، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة تبين أن المقصود بالوعيد هو الذي يترك صلاة العصر عمدا بغير عذر حتى يخرج وقتها بغياب الشمس .
جاء في كتاب الدر المنثور في التفسير بالمأثور، للإمام جلال الدين السيوطي :
أخرج ابن أبي شيبة والبخاري والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن بريدة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم “من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله”.
وأخرج أحمد عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من ترك صلاة العصر متعمدا فقد حبط عمله”.
وأخرج مسلم والنسائي والبيهقي عن أبي بصرة الغفاري قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بالمخمص، ثم قال: ( إن هذه الصلاة فرضت على من كان قبلكم فضيعوها، فمن حافظ عليها كان له أجره مرتين، ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد)، والشاهد النجم.
وأخرج الطبراني عن أبي أيوب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم “إن هذه الصلاة – يعني العصر – فرضت على من كان قبلكم فضيعوها، فمن حافظ عليها أعطي أجرها مرتين، ولا صلاة بعدها حتى يرى الشاهد، يعني النجم”.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من ترك صلاة العصر حتى تغيب الشمس من غير عذر فكأنما وتر أهله وماله”.
وأخرج ابن أبي شيبة عن نوفل بن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن من الصلاة صلاة، من فاتته فكأنما وتر أهله وماله. قال ابن عمر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: هي صلاة العصر”.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي الدرداء قال: من ترك العصر حتى تفوته من غير عذر فقد حبط عمله.(انتهى).
ويقول الإمام ابن حجر في ” فتح الباري ، بشرح صحيح البخاري :
قوله (من ترك صلاة العصر) زاد معمر في روايته ” متعمدا ” وكذا أخرجه أحمد من حديث أبي الدرداء.
وقد استدل بهذا الحديث من يقول بتكفير أهل المعاصي من الخوارج وغيرهم وقالوا: هو نظير قوله تعالى (ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله) وقال ابن عبد البر: مفهوم الآية أن من لم يكفر بالإيمان لم يحبط عمله فيتعارض مفهومها ومنطوق الحديث فيتعين تأويل الحديث، لأن الجمع إذا أمكن كان أولى من الترجيح.
وتمسك بظاهر الحديث أيضا الحنابلة ومن قال بقولهم من أن تارك الصلاة يكفر، وجوابهم ما تقدم.
وأيضا فلو كان على ما ذهبوا إليه لما اختصت العصر بذلك.
وأما الجمهور فتأولوا الحديث، فافترقوا في تأويله فرقا.
فمنهم من أول سبب الترك، ومنهم من أول الحبط، ومنهم من أول العمل فقيل: المراد من تركها جاحدا لوجوبها، أو معترفا لكن مستخفا مستهزئا بمن أقامها.
وتعقب بأن الذي فهمه الصحابي إنما هو التفريط، ولهذا أمر بالمبادرة إليها، وفهمه أولى من فهم غيره كما تقدم.
وقيل المراد من تركها متكاسلا لكن خرج الوعيد مخرج الزجر الشديد وظاهره غير مراد كقوله ” لا يزني الزاني وهو مؤمن ” وقيل هو من مجاز التشبيه كأن المعنى: فقد أشبه من حبط عمله، وقيل معناه كاد أن يحبط، وقيل المراد بالحبط نقصان العمل في ذلك الوقت الذي ترفع فيه الأعمال إلى الله، فكأن المراد بالعمل الصلاة خاصة، أي لا يحصل على أجر من صلى العصر ولا يرتفع له عملها حينئذ، وقيل المراد بالحبط الإبطال أي يبطل انتفاعه بعمله في وقت ما ثم ينتفع به، كمن رجحت سيئاته على حسناته فإنه موقوف في المشيئة فإن غفر له فمجرد الوقوف إبطال لنفع الحسنة إذ ذاك وإن عذب ثم غفر له فكذلك.
وقيل : المراد بالعمل في الحديث عمل الدنيا الذي يسبب الاشتغال به ترك الصلاة، بمعنى أنه لا ينتفع به ولا يتمتع، وأقرب هذه التأويلات قول من قال: إن ذلك خرج مخرج الزجر الشديد وظاهره غير مراد، والله أعلم.
ويقول الإمامِ المناوي في كتابه : فيض القدير، شرح الجامع الصغير للسيوطي :
قوله : (من ترك صلاة العصر حبط عمله) أي بطل ثوابه، وليس ذلك من إحباط ما سبق من عمله فإنه في حق من مات مرتداً ، بل يحمل الحبوط على نقصان عمله في يومه ذلك .. وخص العصر لأنها مظنة التأخير بالتعب من شغل النهار أو لأن فوتها أقبح من فوت غيرها لكونها الوسطى المخصوصة بالأمر بالمحافظة عليها . (انتهى).
ولبيان حكم الجماعة في الصلاة يمكن الاطلاع على هذه الفتوى حكم صلاة الجماعة .
والله أعلم.