عنوان الفتوى : بغض الوساوس ومدافعتها من صريح الإيمان
بسم الله الرحمن الرحيم حينما يصل العبد لمرحلة يجد الطريق فيها مسدودا ولا يجد من يعينه ويجد نفسه التي بين جنبيه تقوده للهاوية يرفع يديه لربه ويدعوه أن يهديه سواء السبيل، وهذا ما حصل معي أريد أن أتوب توبة صادقة أريد أن أخرج من ظلماتي فألهمني الله أن أبث بمشكلتي لكم علكم تفيدوني بعدما قربت من الهاوية، واعلموا أني سأكتب كل تفاصيل قصتي بقباحتها لأني فعلا أريد من يأخذ بيدي للهداية وأريد التوبة ويعلم الله صدقي، ابتدأت مشكلتي عندما كان عمري 15 سنة حينما قررت طلب العلم، اتجهت لمكتبة والدي وقرأت في بعض كتب الفقة، وحينما كنت أراجع نواقض الوضوء دهشت حينما علمت أن الردة عن الإسلام من نواقض الوضوء وكيف يرتد المسلم، علقت القصة في مخيلتي وكلما أردت الوضوء لا أستطيع وأحس بأني كافرة ولست مسلمة وعليه كنت أكرر وضوئي أكثر من مرة قد يكون نوعا من الوسواس وأنا أقول هكذا لكن الإحساس لم يكن وسواسا كنت كما لو أني كافرة، فعلا ضقت من نفسي خاصة حينما كنت أردد الشهادتين كان هناك إحساس داخلي أني كافرة بها فأجلس مع نفسي وأردد كلمات الشهادة وأفكر في معانيها فأجد نفسي مؤمنة بها ولكن إحساس الكفر لم يذهب عني واستمررت بترديدها لكن دون فائدة وبكيت ودعوت الله أن يشفيني مما حل بي، لم تنته مشكلتي إلى هنا بل الطامة الكبرى أني بدأت أسترسل بالوساوس وكان إحساس الكفر يغيب عني أياما ويعود والخوف من أن أكفر ولا يقبل عملي أو أجد ما يشككني في ديني يكبر، أعرف حينما كنت أحس بأني مسلمة وإحساس كوني كافرة وقد كنت أغبط كل من أراه مسلما حقا يتقرب إلى الله ويحبه ويطيعه وأدعو لهم بالثبات وعدم الابتلاء بما ابتليت فيه، وكنت أرفض الزواج ممن يتقدمون لخطبتي خوفا من الكفر وأنا متزوجة فيبطل عقد الزواج وكنت أرى الناس مسلمين حقا لكني أحس بأني لست مثلهم، وليس معنى هذا أني لم أكن أتقرب إلى الله بل كنت محافظة على صلاتي وتلاوتي للقرآن وحفظي وإن كان حفظي للقران متقطعا وسماعي للمحاضرات لكن كل هذا يشتد عندي بفترات ويفتر بفترات وإحساس الكفر كان يراودني فترات ويذهب لفترات، وكانت مشكلتي باسترسالي بالوساوس فكل فكرة تشككني بالإسلام لم أكن أطردها بسرعة بل كنت أسترسل معها وأبحث عما يطردها وكان هذا يأخذ مني أياما في التفكير بكيفية طرد الفكرة وإذا طردتها كنت أتشهد وأغتسل خوفا من كوني فعلا كفرت وكان هذا يتكرر كثيراً معي وأعلم أني مخطئة لأن الصواب عدم الاسترسال بالفكرة وإنا لله وإنا إليه راجعون، حتى قرأت في أحد الأيام الحديث الرابع من الأربعين النووية (وكنت أدرس المادة) الذي فيه أن خلق الإنسان يكون 40 يوما نطفة ثم 40 يوما علقة تم 40 يوما مضغة وأعوذ بالله دخل الشك في نفسي لأني قرأت في كتب أن خلق الإنسان كما رأوه في العلم الحديث يكون خلال الأربعين الأولى نطفة ثم علقة ثم مضغة في نفس الأربعين حتى أنه في بداية الأسبوع السابع (42 يوم) يكون الإنسان مكتمل الخلقة، فجننت يومه وأصابتني كآبة شديدة فأنا لا الزمن بعدها أقنعت نفسي بأن هناك خطأ في العلم الحديث واستمررت بالبحث لأفند ما وجدوه، ولكن دون فائدة عندها قررت نسيان الفكرة وفعلا تشهدت واغتسلت خوفا من أني قد كفرت وقررت عدم العودة للتفكير، لكن كلما قرأت الحديث انقبض صدري وأحسست بالشك فكرهت نفسي مع وجود إحساس أني كافرة فهو إحساس كريه لم يفارقني بل كان يذهب ويعود وجاهدت نفسي جهاداً مراراً وتبت إلى الله من هذه الأفكار وهجرتها وإذا جاءت تركتها وأقنعت نفسي بأني مسلمة، فأنا أريد ديني وعدت لحياتي السابقة من قراءة قرآن وحفظ ودراسة واستمر حالي على هذا سنة ونصفا (لكن إحساس أني كافرة لم يذهب عني في كل الأوقات بل أوقات وأوقات وزاد عليها إحساس بالكفر حينما أقرأ أن الله الخالق، وكنت أردد آيات أن الله الخالق أكثر من مرة ليزداد إيماني، ولكن الطريقة لم تنفع دائما، وخطبت ووافقت على الزواج وفي إحدى الليالي كما لو أن شيء كبس على أنفاسي وأحسست بكل أفكار الكفر والشك تعود لنفسي والحديث الرابع والتعارض مع العلم الحديث يعود أقوى من الأول وحاولت طرد الشكوك فلم أفلح وقمت الليل وأنا أصلي وأدعو الله أن يخلصني مما أنا فيه، لكني لم أفلح والتعارض بين الحديث الرابع من الأربعين النووية والعلم الحديث لا يزول من تفكيري وعدت لعزوفي عن الأكل وخلطة الأهل وسألت أحد المشايخ عن كيفية إزالة التعارض بين الحديث الرابع والعلم ولم يرد الشيخ علي فقلت في نفسي إنها شبهة ولا أريد أن أكون من أهل الشبهات فطردت الفكرة لكن دون فائدة أحس بنفسي متمسكة بالبحث عن سبب التعارض لأني غير مقتنعة وفعلا قد أكون شاكة، ولا أعلم ماذا أفعل أنا لا أريد الشك في ديني بل أريد قلبا سليما مليئا بمحبة الله والشوق له، ولكني أصدقكم أني أحس بالشك فكيف أزيل التعارض الحاصل بين الحديث الرابع والعلم الحديث وكيف أتخلص من إحساس الكفر نهائيا (لأن الإحساس يذهب ويعود)، أرجوكم لا تهملوا رسالتي، ردوا علي، أنا لا أريد الكفر والشك أعلم أني أخطأت حينما دخلت في دوامة الشكوك، لكني أريد التوبة من كل قلبي أريد الإسلام وأريد الله، ساعدوني بأسرع وقت لأني أخاف أن أموت وأنا بهذه الأفكار السوداء، أفيدوني عسى الله يغفر لي ويحفظ لي ديني وإيماني؟ وجزاكم الله خيرا وثبتكم وأثابكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلمي أن ما يعرض للمرء من وساوس من الأمور التي لا دخل له فيها، غير مؤاخذ عليها، لكن يجب عليه ألا يسترسل معها أو يتمادى فيها، سواء كانت من الوساوس التي تتصل بالإيمان أو كانت من غيرها، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: أو قد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان.
والمقصود من الحديث أن كراهية هذه الوساوس وبغضها والنفور منها هي صريح الإيمان، فاطمأني واصبري ولا تقلقي، والزمي ذكر الله، فإن ذلك هو أحسن علاج لما تجدينه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والوسواس يعرض لكل من توجه إلى الله. فينبغي للعبد أن يثبت ويصبر ويلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة ولا يضجر، لأنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان، (إن كيد الشيطان كان ضعيفاً). وكلما أراد العبد توجها إلى الله بقلبه جاء الوسواس من أمور أخرى، فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق، كلما أراد العبد أن يسير إلى الله أراد قطع الطريق عليه. انتهى.
وفيما يتعلق بموضوع سؤالك، فاعلمي أنه لا يمكن التناقض بين الحقيقة العلمية وبين الثابت من النصوص الشرعية، وإذا ظهر شيء مما يوحي بالتناقض بينهما، فإن ذلك لا يخلو من أحد أمرين:
الأول: أن تكون النصوص المستدل بها في الموضوع غير صحيحة، أو أنها قد فسرت تفسيراً غير صحيح.
الثاني: أن تكون المعطيات التي استندت إليها التجربة العلمية غير صحيحة.
واعلمي أن التجربة العلمية التي تقول: إن خلق الإنسان يكون خلال الأربعين الأولى نطفة ثم علقة ثم مضغة في نفس الأربعين، وأنه في بداية الأسبوع السابع (42 يوماً) يكون مكتمل الخلقة، هي في الحقيقة متفقة مع ما ورد في الشرع، فقد روى مسلم عن حذيفة بن أسيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا مر بالنطفة اثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها ثم قال يا رب أذكر أم أنثى فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك ثم يقول: يا رب أجله فيقول ربك ما شاء ويكتب الملك ثم يقول: يا رب رزقه فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك بالصحيفة في يده فلا يزيد على ما أمر ولا ينقص. فهذا الحديث الصحيح صريح فيما سألت عنه.
مع أن ما ورد في الصحيحين مما يوهم تناقضا مع هذا، قد شرحه بعض العلماء المحدثين بما يزيل اللبس، يقول د. عبد الجواد الصاوي في مقال له طويل جامعاً بين حديث مسلم والحديث الذي رواه الشيخان: ... كما أخبر في نفس الحديث أن أطوار الجنين الأولى، العلقة والمضغة تبدأ وتكتمل أوصافها وتنتهي خلال هذه الأربعين. فالحديث يتكلم عن التحديد الزمني لقضيتين: الأولى: زمن جمع الخلق لخلايا أعضاء الجسم في صورة براعم أولية، والثانية: زمن أطوار الجنين، العلقة والمضغة نصا والنطفة لزوماً، لأنه لا وجود لكلمة النطفة في الروايات الصحيحة، والحديث بهذا اللفظ للإمام مسلم يختلف عن حديث الإمام البخاري في زيادة عبارة (في ذلك) والتي صححت الفهم وأظهرت التطابق التام مع حقائق علم الأجنة الحديث فأزالت شبه الزائغين وردت كيد أعداء السنة والإسلام إلى نحورهم.
وبناء على هذه الرواية للحديث فخلق الجنين يجمع خلال الأربعين يوماً الأولى من عمره، وأطوار النطفة والعلقة والمضغة تقع وتكتمل كلها في خلال هذه الأربعين، لأن لفظ (في ذلك) يعود إلى الوقت، أي إلى الأربعين يوماً، أما اسم الإشارة في قوله (مثل ذلك)، فلا بد أنه يعود إلى شيء آخر غير الوقت، وأقرب شيء إليه هنا هو جمع الخلق، والمعنى: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون في ذلك (أي في ذلك العدد من الأيام) علقة (مجتمعة في خلقها) مثل ذلك، (أي مثلما اجتمع خلقكم في الأربعين)، ثم يكون في ذلك (أي في نفس الأربعين يوماً) مضغة (مجتمعة مكتملة الخلق المقدر لها) مثل ذلك، (أي مثلما اجتمع خلقكم في الأربعين يوماً). وذلك من ترتيب الإخبار عن أطوار الجنين لا من ترتيب المخبر به، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الثاني أن الجنين قبل اليوم الثاني والأربعين لا يمكن تمييز صورته الإنسانية، ولا تخلق أجهزته بصورة تامة إلا بعد هذا التاريخ، فالحديث يشير بوضوح إلى أن تشكل الجنين بتصويره وخلق سمعه وبصره وجلده ولحمه وعظامه وتمايز أعضائه الجنسية لا يحدث إلا بعد اليوم الثاني والأربعين...
وهذا الشرح الذي أورده د. عبد الجواد الصاوي، كان قد سبقه الشيخ عبد المجيد الزنداني بما لا يختلف معه، ونرجو أن تكوني قد وجدت في هذا الجواب ما يزيل عنك الشك والوسواس.
والله أعلم.