عنوان الفتوى : المقاطعة الاقتصادية للمستهزئين بسيد المرسلين
الحمد لله والصلاة على رسول الله ....فبعد الحملة المباركة الداعية لمقاطعة بضائع من سبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يضعف اقتصادهم المدعوم بأموال مسلمة ظهر من يقول ببدعية مقاطعة بضائعهم وأنها من تحريم ما أحل الله بينما المقاطعة ليست تحريم الجبن من أصله ولا الزبد من أصله ولا الحليب من أصله وهكذا البضائع الأخرى فغيرها من مثيلاتها من البضائع التي من دول لم تشارك في سب الرسول موجودة .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا بد أن يعلم أولا أن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم بآبائنا هو وأمهاتنا ممن سبه وآذاه واجب شرعي فقد قال تعالى : إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا {الفتح: 8 ـ 9 } فالإيمان بالله والرسول والتعزير والتوقير للرسول صلى الله عليه وسلم قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: التعزير اسم جامع لنصره وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه ، والتوقير : اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال ، وأن يعامل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار . وقال أيضاً: أما انتهاك عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه مناف لدين الله بالكلية ، العرض متى انتُهك سقط الاحترام والتعظيم ، فسقط ما جاء به من الرسالة ، فبطل الدين ، فقيام المدحة والثناء عليه والتعظيم والتوقير له قيام الدين كله ، وسقوط ذلك سقوط الدين كله ، وإذا كان كذلك وجب علينا أن ننتصر له ممن انتهك عرضه .
وإذا تقرر هذا فالمقاطعة لبضائع هؤلاء الذين سبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم واستهزؤا به ـ بآبائنا هو وأمهاتنا ـ نصرة للنبي صلى الله عليه وسلم حتى تنكسر شوكتهم ويضعف اقتصادهم وينزجروا عن هذا السب والاستهزاء ، ليس بدعة أو تحريما للحلال كما يزعم هؤلاء ، بل إنه أسلوب مشروع ، وقد يكون واجبا إذا تعين طريقا لكسر شوكتهم ومنع تطاولهم ، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب كما هو مقرر شرعا .
ومن الأدلة على جوازه ، ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن ثمامة بن أثال لما أسلم سافر إلى مكة للعمرة وقال لأهل مكة : والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم .
وغير خاف أن النبي صلى الله عليه وسلم قد استعمل التضييق والضغط الاقتصادي كأسلوب من أساليب الجهاد المشروع وذلك بتلك السرايا والبعوث التي سيرها لمهاجمة قوافل قريش التجارية ، فقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص فقال : اخرج يا سعد حتى تبلغ الخرّار ، فإن عيراً لقريش ستمر بك . وخرج النبي صلى الله عليه وسلم في مائتين من أصحابه يعترض عيراً لقريش في غزوة بواط ، وخرج أيضاً لغزوة العشيرة لاعتراض قافلة لقريش في طريقها إلى الشام ، روى ذلك كله ابن سعد في الطبقات ، وابن هشام في السيرة ، ومعلوم أن غزوة بدر إنما كان سببها طلبه صلى الله عليه وسلم عير أبي سفيان ، بل وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم على قريش أن تضيق عليهم معيشتهم ، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا قريشاً كذبوه واستعصوا عليه فقال : اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف . فأصابتهم سنة حصدت كل شيء حتى كانوا يأكلون الميتة ، وكان يقوم أحدهم فكان يرى بينه وبين السماء مثل الدخان من الجهد والجوع ، فأتاه أبو سفيان فقال : أيْ محمد ! إن قومك هلكوا ، فادع الله أن يكشف عنهم . متفق عليه إلى غير ذلك من شواهد كثيرة .
والاقتصاد في زماننا هذا ذو تأثير كبير وفعال على مواقف الدول والشعوب واتجاهاتها ، وقد يكون هو الأسلوب الأنجع في أيدي المسلمين اليوم للضغط على هؤلاء ليوقفوا أو يخففوا من حملتهم ضد النبي صلى الله عليه وسلم والإسلام والمسلمين . وراجع الفتوى رقم : 3545 .
والله أعلم .