عنوان الفتوى : جامع أجنبية في دبرها وتابا فهل يجوز له تزوجها؟
لقد تبنا وندمنا من علاقة جنسية حدث فيها إيلاج من الدبر ، ونحن نحب بعضنا حبّاً شديداً لا نستطيع الفراق ، ونريد أن نتزوج ونعيش حياةً سعيدةً ، هل يجوز لي الزواج منها ؟ علما بأن مذهبنا الإباضية يحرم زواج الزاني بمزنيته وإن تابا ، بدليل أن عمر بن الخطاب فصل بين رجل تزوج امرأة أثناء عدتها ثم قال : (لا يجتمعان أبداً) ، ودليل آخر ثبت عن علي وعائشة والبراء بن عازب بأنه (إذا تزوج اثنان زانيان فهما زانيان أبداً) ، ذلك بأن الطمأنينة ستكون معدومة بين اثنين اختبر كل منهما الآخر قبل الزواج ، فما رأي سماحتكم ؟
الحمد لله
أولاً :
اعلم أن البحث عن الصواب في المسائل الفقهية العملية أمرٌ حسن ، وهو يدل على أن
صاحبه ينشد الحق الذي حكم الله تعالى به ، وأحسن من هذا هو أن يبحث المسلم عن
الاعتقاد الصحيح الذي ينجيه من فرق الضلال التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم
وهي اثنتان وسبعون فرقة ، وقد قال عنها : (كلها في النار) ومعناه : أنها ضالة تستحق
الوعيد بالنار ؛ لأنها تنكبت طريق الحق ، وطريق الحق الذي ينجو صاحبه إذا عليه هو
طريق الفرقة الناجية ، والتي حكم لها النبي صلى الله عليه وسلم بالنجاة في قوله :
(كلها في النار إلا واحدة ، قالوا : من هي ؟ قال : هي من كان على مثل ما أنا عليه
وأصحابي) .
واعلم أنه لا يسع المسلم أن يعتقد ما يشاء ، بل لا بدَّ له حتى ينجو من الإثم
والوزر أن يعتقد اعتقاد أهل السنة والجماعة في الإيمان والصفات والقرآن وغيرها من
مسائل العقيدة والتوحيد .
ولا نريد إحراجك ، لكننا لا نريد ترك نصحك ، ونكون غاشين لك إن دللناك على الحق في
مسألة فقهية ، وتركنا أمر اعتقادك يمر هنا دون نصح وتوجيه .
لذا فإننا ندعوك – قبل الإجابة عن استفسارك – أن تنظر وتتأمل في جواب السؤال رقم (11529
) راجين لك التوفيق والهداية .
ثانياً :
جماع الزوجة في دبرها من المحرمات ومن كبائر الذنوب ، فكيف يكون حكم جماع الأجنبية
في دبرها ؟ لا شك أن إثم هذا الفعل أعظم بكثير من جماع الزوجة في دبرها .
ثالثاً :
قد أحسنتما بالتوبة من هذه المعصية الكبيرة ، والندم عليها ، ونسأل الله تعالى أن
يتقبل توبتكما ، وعليكما الاجتهاد في العمل الصالح ، فإن ذلك من تمام التوبة
وكمالها ، قال الله تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ
صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82
.
وأما بالنسبة لزواجكما : فلا حرج من ذلك ما دمتما قد تبتما إلى الله ، وانظر جواب
السؤال رقم ( 14381
) و ( 11195 ) .
فإذا ندمتما على فعلكما وتبتما توبة صادقة : جاز لكما الزواج ، ولا يوجد ما يمنع
منه .
وأما ما ذكرتَه عن عمر بن الخطاب من منعه من تزوج امرأة في عدتها أن يتزوجها أبداً
: فالظاهر – إن صح هذا عنه – أنه من باب التعزير والعقاب لمن فعل معصية ، وليس
بياناً لحكم شرعي بأن هذا محرم .
وما نقلته عن بعض الصحابة من حكمهم على زانٍ تزوج زانية أنهما زانيان أبداً : فهو
محمول على كونهما لم يتوبا .
قال ابن حزم رحمه الله :
"عن ابن مسعود في الذي يتزوج المرأة بعد أن زنى بها قال ابن مسعود : لا يزالان
زانيين .
ثم روى عن سالم بن عبد الله بن عمر أنه سُئل عن الرجل يزني بالمرأة ثم ينكحها ؟
فقال سالم : سئل عن ذلك ابن مسعود فقال : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ
عَنْ عِبَادِهِ) الشورى/25.
قال ابن حزم :
القولان منه متفقان ؛ لأنه إنما أباح نكاحها بعد التوبة"
انتهى
.
" المحلى " ( 9 / 63 )
.
والله أعلم