أرشيف المقالات

حديث: من ظلم من الأرض قيد شبر طوقه من سبع أرضين

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
حديث: من ظلم من الأرض قيد شبر طوقه من سبع أرضين

عن عائشة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: « مَنْ ظَلَمَ مِنَ الأرضِ قيدَ شبرٍ طوقه مِنْ سَبعِ أرَضِين ».
 
الغصب: وهو الاستيلاء على مال الغير بغير حق وهو محرم بالكتاب والسنة والإجماع؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾ [النساء: 29]، وقال: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ ﴾ [البقرة: 188].
 
قوله: (عن عائشة رضي الله عنها)، وفي رواية عن أي سلمة حدَّثه أنه كانت بينه وبين أناس خصومة، فذكر لعائشة - رضي الله عنها - فقالت: يا أبا سلمة، اجتنب الأرض؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال...
وذكر الحديث.
 
ولمسلم ادعت أروى بنت أويس على سعيد بن زيد أنه أخذ شيئًا من أرضها، فخاصمته إلى مروان بن الحكم، فقال سعيد: أنا كنت آخذ من أرضها شيئًا بعد الذي سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: وما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: « من أخذ شبرًا من الأرض ظلمًا، طوَّقه إلى سبع أراضي »، فقال له مروان: لا أسألك بيِّنة بعد هذا، فقال: اللهم إن كانت كاذبة فعم بصرَها واقتُلها في أرضها، قال: فما ماتت حتى ذهب بصرها، ثم بينا هي تمشى في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت.
 
وفي رواية قال: فرأيتها عمياءَ تلتصق الجدار تقول: أصابتني دعوة سعيد بن زيد، فبينما هي تمشي في الدار مرت على بئر في الدار، فوقعت فيها فكانت قبرها، وفي حديث ابن عمر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « من أخذ من الأرض شيئًا بغير حقه، خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين ».
 
قوله: (قِيد شبر) وهو بكسر القاف أي قدره.
قال الحافظ: (وكأنه ذكر الشبر إشارة إلى استواء القليل والكثير في الوعيد.
 
قوله: طوَّقه وفي رواية فإنه يطوقه، ولأبي عوانة في حديث أبي هريرة جاء به مقلده، وقد روى الطبري وابن حبان من حديث يعلى بن مرة مرفوعًا: أيما رجل ظلم شبرًا من الأرض كلفه الله أن يحفره حتى يبلغ آخر سبع أرضين، ثم يطوقه يوم القيامة حتى يقضي بين الناس، ولأبي يعلى بإسناد حسن عن الحكم بن الحارث السلمي مرفوعًا: من أخذ من طريق المسلمين شبرًا جاء يوم القيامة يحمله من سبع أرضين، وروى ابن أبي شيبة بإسناد حسن من حديث أبي مالك الأشعري: أعظم الغلول عند الله يوم القيامة ذراع أرض يسرقه رجل، فيطوقه من سبع أرضين.
 
قال الحافظ: (وفي الحديث تحريم الظلم والغصب وتغليظ عقوبته، وإمكان غصب الأرض، وأنه من الكبائر، قال القرطبي: وكأنه فرعه على أن الكبيرة ما ورد فيه وعيد شديد، وأن من ملك أرضًا ملك أسفلها إلى منتهى الأرض، وله أن يمنع من حفر تحتها سربًا أو بئرًا بغير رضاه، وفيه أن من ملك ظاهر الأرض ملك باطنها بما فيه من حجارة ثابتة وأبنية ومعادن، وغير ذلك، وأن له أن ينزل بالحفر ما شاء ما لم يضر بمن يجاوره؛ انتهي.
 
وقال ابن التين: وفيه أن الأرضين السبع طباق كالسماوات وهو ظاهر قوله تعالى: ﴿ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ﴾ [الطلاق: 12]، خلافًا لمن قال أن المراد بقوله سبع أرضين سبعة أقاليم؛ لأنه لو كان كذلك لم يطوق الغاصب شبرًا من إقليم آخر)[1].
 
قال الحافظ أيضًا: (وظاهر قوله تعالى: ﴿ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ﴾ [الطلاق: 12]، يرد أيضًا على أهل الهيئة قولهم أن لا مسافة بين كل أرض وأرض وإن كانت فوقها، وأن السابعة صماء لا جوف لها وفي وسطها المركز، وهي نقطة مقدرة متوهمة إلى غير ذلك من أقوالهم التي لا برهان عليها، وقد روى أحمد والترمذي من حديث أبي هريرة مرفوعًا: أن بين كل سماء وسماء خمسمائة عام، وأن سمك كل سماء كذلك، وأن بين كل أرض وأرض خمسمائة عام)[2].
 
تتمة:
قال في الاختيارات: ولو اشترى مغصوبًا من غاصبه، رجع بنفقته وعمله على بائع غار له، ومن زرع بلا إذن شريكه، والعادة بأن من زرع فيها له نصيب معلوم، ولربها نصيب قسم ما زرعه في نصيب شريكه، كذلك ولو طلب أحدهما من الآخر أن يزرع معه أو يهايئه، فأبي فللأول الزرع في قدر حقه بلا أجرة، واعتبر أبو العباس في موضع آخر إذن ولي الأمر، ويضمن المغصوب بمثله مكيلًا أو موزونًا أو غيرهما حيث أمكن، وإلا فالقيمة وهو المذهب عند أبي موسى، وقاله طائفة من العلماء، وإذا تغير السعر وفقد المثل، فينتقل إلى القيمة وقت الغصب، وهو أرجح الأقوال، ولو شق ثوب شخص خطر مالكه بين تضمين الشاق نقصه وبين شق ثوبه، ونقله إسماعيل عن أحمد، ومن كانت عنده غصوب وودائع وغيرها، لا يعرف أربابها، صرف في المصالح، وقال العلماء: ولو تصدق بها جاز، وله الأكل منها ولو كان عاصيًا إذا تاب وكان فقيرًا، ومن تصرف بولاية شرعية لم يضمن كمن مات ولا ولي له ولا حاكم، وليس لصاحبه رد المعاوضة كثبوت الولاية عليها شرعًا، ومن غرم مالًا بسبب كذب عليه عند ولي الأمر، فله تضمين الكاذب عليه بما غرمه، ولو طرق فحل غيره على فرس نفسه، فنقص الفحل ضمنه، ولا يجوز لوكيل بيت المال ولا غيره بيع شيء من طريق المسلمين النافذ، وليس للحاكم أن يحكم بصحته، قال: ومن العقوبة المالية إتلاف الثوبين المعصفرين كما في "الصحيح" من حديث عبدالله بن عمرو، وإراقة عمر اللبن الذي شيب بالماء للبيع، والصدقة بالمغشوش أولى من إتلافه، ومن ندم ورد المغصوب بعد موت المغصوب منه، كان للمغصوب منه مطالبته بالآخرة لتفويته الانتفاع به في حياته، كما لو مات الغاصب فرده وارثه، ولو حبس المغصوب وقت حاجة مالكه إليه كمدة شبابه، ثم رده في مثيله، فتفويت تلك المنفعة لمخيم يفتقر إلى جزاء وإن مات معدمًا يرجى أن الله يقضي عنه ما عليه، قال: ومن ترك دينه باختياره، ويمكن من استيفائه فلم يستوفه حتى مات، طالب به ورثته، قال: وقدر المتلف إذا لم يكن تحديده عمل فيه بالاجتهاد كما يفعل في قدر قيمته بالاجتهاد في معرفة مقدار ثمنه، بل قد يكون بالخرص أسهل، وكلاهما يجوز مع الحاجة، ولو بايع الرجل مبايعات يعتقد حلها، ثم صار المال إلى وارث أو منهب أو مشتر يعتقد تلك العقود محرَّمة، فالمثال الأصلي لهذا اقتداء المأموم بصلاة إمام أخل بما هو فرض عند المأموم دونه، والصحيح الصحة، وما قبضه الإنسان بعقد مختلف فيه يعتقد صحته، لم يجب عليه رده في أصح القولين، ومن كسب مالًا حرامًا برضاء الدافع، ثم مات كثمن الخمر ومهر البغي، وحلوان الكاهن، فالذي يتلخص من كلام أبي العباس أن القاضي إن لم يعلم التحريم ثم علم، جاز له أكله، وإن علم التحريم أولًا ثم تاب، فإنه يتصدق به كما نص عليه أحمد في حامل الخمر، وللفقير أكله، ولولي الأمر أن يعطيه أعوانه، وإن كان هو فقير أخذ كفايته، وفيما إذا عرف ربه هل يلزمه ردُّه إليه أم لا قولان[3]؛ انتهى، والله أعلم.



[1] "فتح الباري": (5/ 104، 105).


[2] "فتح الباري": (6/ 293).


[3] "الاختيارات الفقهية": (1/ 501).

شارك الخبر

المرئيات-١