عنوان الفتوى : التدرج في تحريم الخمر وحكم شرب النبيذ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبهلدي سؤال يحيرني في قضية الخمر:فقد ذكر في سورة النحل: وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا (النحل 67)وفي سورة البقرة يذكر أن له منافع: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (البقرة 219)وأرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشرب الخمر كما ورد في الحديث الشريف:حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب واللفظ لأبي كريب قالا حدثنا أبومعاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن جابر بن عبد الله قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستسقى فقال رجل يا رسول الله ألا نسقيك نبيذا فقال بلى قال فخرج الرجل يسعى فجاء بقدح فيه نبيذ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا خمرته ولو تعرض عليه عودا قال فشرب صحيح مسلم .. كتاب الأشربة .. باب في شرب النبيذ وتخمير الإناء وهنالك العديد من الأمثلة التي جعلتني أنظر في هذا الموضوع ؟ لكم مني جزيل الشكر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقبل الجواب عما سألت عنه نريد أولاً أن نبين لك أن الخمر كانت مباحة في أول الإسلام ، وأن تحريمها كان بتدرج ، وبمناسبة حوادث متعددة ، فإن الناس قبل تحريمها كانوا مولعين بشربها ، وأول آية نزلت تتكلم عنها هي قوله تعالى : وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا {النحل: 67 } ففي هذه الآية الكريمة نجد كيف أن القرآن باسلوبه الدقيق أشار بوضع المقابلة بين السكر والرزق الحسن ، إلى أن السكر ليس من الرزق الحسن وإنما هو نقيض ذلك ، وأول ما نزل صريحاً في التنفير منها قول الله تعالى : يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا {البقرة: 219 } فلما نزلت هذه الآية تركها بعض الناس وقالوا لا حاجة لنا فيما فيه إثم كبير ، ولم يتركها بعضهم وقالوا نأخذ منفعتها ونترك إثمها ، فنزلت هذه الآية : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى {النساء: 43 } فتركها بعض الناس وقالوا لا حاجة لنا فيما يشغلنا عن الصلاة ، وشربها بعضهم في غير أوقات الصلاة حتى نزلت : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {المائدة: 90 } فصارت حراماً عليهم ، حتى صار يقول بعضهم : ماحرم الله شيئاً أشد من الخمر ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يشرب الخمر ولو قبل تحريمها، بل ولم يمارس قط شيئاً من أمور الجاهلية كما ثبت في سيرته الشريفة ، والحديث الذي جئت به في سؤالك ليس فيه دليل على ما ذكرته ، وإنما يستفاد منه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشرب النبيذ الذي لم يقارب الوصول إلى حال السكر ، وكنا قد بينا من قبل إباحة شرب النبيذ فلك أن تراجع فيه فتوانا رقم : 19795 ، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ألا خمرته ، معناه: ألا غطيته كما ذكر النووي وغيره ، ويدل له قوله بعد ذلك : ولو تعرض عليه عوداً ، ونرجو أن يكون في هذا الجواب ما يزيل حيرتك .
والله أعلم .