عنوان الفتوى : حكم إجابة دعوة عرس من اقترض بالربا
نسأل عن حكم الشرع في رجل أخذ قرضا من البنك وهو بنك ربوي من أجل أن يقيم به فرح ابنه ويزوجه مع العلم أنه أي الظاهر أمامنا أنه غير محتاج لهذا القرض، وهل يجوز الذهاب إلى العرس والأكل من الوليمة المقامة في العرس سؤال آخر: هناك قريب لي أخذ مبلغا من المال من المصرف وهو قرض بفائدة من أجل بناء بيت لكي يزوج ابنه في هذا البيت وعندما نصحناه بأن هذا لا يجوز قال لا هذا جائز لأني مضطر ولا إثم علي فهل هذا جائز وهل يجوز الذهاب إلى العرس أيضاً والأكل من الوليمة لأننا نخشى أن يكون الطعام من مال القرض. أفيدونا أفادكم الله وبارك الله فيكم ونفع بكم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يجوز للمسلم أن يقترض بفائدة من البنك أو غيره، لأن كل قرض جر نفعاً دنيوياً فهو ربا، قال ابن قدامة: وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف، قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستسلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا.
ومحل ذلك ما لم يكن المقترض مضطراً للاقتراض بالربا ضرورة ملجئة بحيث إذا لم يقترض لم يجد ما يأكل أو ما يشرب أو ما يسكن ولو بالإيجار، ونحو ذلك من الضرورات له ولمن يعول، فإذا كان مضطرا على هذا النحو جاز له الاقتراض بالقدر الذي يدفع به الضرورة.
وبهذا يتبين لك أن هذا الشخص الذي أخذ قرضاً من البنك وهو بنك ربوي من أجل أن يقيم به فرح ابنه ويزوجه، قد ارتكب محرماً، لأن الزواج فضلاً عن حفلة العرس ليس ضرورة تبيح الاقتراض بالربا، وراجع الفتوى رقم: 7500، وراجع الفتوى رقم: 6501.
أما هذا الشخص الآخر الذي أخذ قرضا من أجل بناء بيت لكي يزوج ابنه في هذا البيت، فإذا كان ابنه لا يجد مسكناً يسكنه ولو بالإيجار -وهذا ما نستبعده- وتعين القرض الربوي لتمكينه من السكن، فلا بأس حينئذ بأخذ هذا القرض، وإلا فأخذه له حرام.
وحيث أخذ المسلم قرضا ربوياً لا يجوز له، فالواجب الإنكار عليه ونصحه، أما عدم إجابة دعوة عرسه -حيث لم تشتمل على منكر- أو ترك عيادته إذا مرض أو ترك رد السلام عليه إذا سلم ونحو ذلك من الهجر حتى يتوب، فإنه مشروع إذا كان الهجر مفيداً في ردعه، فقد روى الحاكم في مستدركه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل وعليه ثوبان أحمران فسلم فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وصححه الذهبي في التلخيص.
فهذا الحديث وما جاء في معناه كما يقول الشيخ بكر أبو زيد: نص في مشروعية هجر العاصي المجاهر بمعصيته حتى يتوب ويفيء.
وقد صرح أهل العلم بأن من الأعذار المشروعة لعدم إجابة دعوة العرس أن تكون من مجاهر بالمعصية أو فاسق، قال الغزالي رحمه الله في الإحياء فيما يمنع الإجابة واستحبابها ويوجب تحريمها أو كراهيتها: إذا كان الداعي ظالماً أو مبتدعاً أو فاسقاً أو شريراً أو متكلفاً طلباً للمباهاة والفخر.
أما إذا كان الهجر لا يؤثر في ردعه، فالهجر حينئذ غير مشروع، فتجاب دعوته مع الاستمرار في نصحه، قال شيخ الإسلام رحمه الله: وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله، فإن كان المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعا ، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك بل يزيد الشر والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته لم يشرع الهجر، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قوماً ويهجر آخرين.
أما ما تخشونه من أن يكون طعام الوليمة من القرض الربوي، فقد سبق أن بينا أن إثم القرض الربوي يتعلق بذمة المقترض لا بعين المال.
وراجع لتفصيل ذلك الفتوى رقم: 45557، والفتوى رقم: 54755، والفتوى رقم: 53813.
والله أعلم.