عنوان الفتوى : الأصل في ثبوت الشهر رؤية الهلال، واختلاف المطالع له اعتباره
علمنا أن ليبيا هي الدولة الوحيدة التي أعلنت رؤية هلال رمضان فهل يعتد برؤيتها أم لا؟ وهل تعتمد الرؤية الشرعية أم الحساب الفلكي؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأخذ برؤية بلد بعينه أو عدم الأخذ بها يرجع إلى اختلاف أهل العلم، فيما إذا رؤُي الهلال في بلد من البلدان فهل هي رؤية لجميع المسلمين يلزمهم جميعاً الصيام أو الأفطار بها؟ أم أن لكل بلد حكمه في الصيام أو الأفطار حسب اختلاف المطالع؟
فذهب جمهور أهل العلم منهم أبو حنيفة ومالك وأحمد إلى القول الأول، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا" متفق عليه من حديث ابن عمر، وقالوا الخطاب عام لجميع المسلمين، ولا عبرة باتفاق المطالع واختلافها، وذهب الإمام الشافعي وجماعة من السلف إلى القول باختلاف المطالع، وقالوا إن الخطاب في الحديث نسبي فإن الأمر بالصوم والفطر موجه إلى من وجد عندهم الهلال، أما من لم يوجد عندهم هلال فإن الخطاب لا يتناولهم إلا حين يوجد عندهم، وهذا القول هو الراجح. والقول بعدم اعتبار اختلاف المطالع يخالف المعقول والمنقول، أما مخالفته للمعقول فلمخالفته لما هو ثابت بالضرورة من اختلاف الأوقات، وأما مخالفته للمنقول فلأنه مخالف لما أخرجه مسلم وغيره، عن كريب قال: قدمت الشام واستهل عليّ هلال رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني ابن عباس، ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟. فقلت: رأيناه ليلة الجمعة. فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية. فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه. فقلت: ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا. هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم" قال الترمذي: والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم أن لكل بلد رؤيتهم.
وأما ما يثبت به رمضان فهو رؤية هلال رمضان ولو من واحد عدل، أو بكمال شعبان ثلاثين يوماً إذا كانت ليلة الثلاثين منه صحوا، فإن فيها غيم أو سحاب أو نحو ذلك، فقد اختلف في الحكم هنا أهل العلم، وخلافهم فيه ناشئ عن اختلاف فهمهم في المراد من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإن غمَّ عليكم ـ يعني هلال رمضان ـ فاقدروا له" المتفق عليه عن ابن عمر، فذهب أحمد وطاووس وطائفة قليلة إلى أن معناه: ضيقوا له العدد، كقوله تعالى: (ومن قدر عليه رزقه) [الطلاق: 7] أي ضيق، وقوله تعالى: (يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) [الشروى: 12] ومعنى التضييق له أن يجعل شعبان تسعة وعشرين يوماً، وإذا كانت السماء ليلة الثلاثين من شعبان ذات سحاب أو غيم ونحوه مما يحول دون رؤية الهلال يصام اليوم التالي، ويقدر الهلال تحت السحاب. قالوا: وقد فسر ابن عمر هذا الحديث بفعله، وهو راويه وأعلم بمعناه، فوجب الرجوع إلى تفسيره، فقد أخرج أبو داود أن نافعاً قال: كان ابن عمر إذا مضى من شعبان تسع وعشرون، بعث من ينظر الهلال، فإن رأى فذاك، وإن لم ير ولم يحل دون منظره سحاب ولا قتر أصبح مفطراً، وإن حال دون منظره سحاب أو قتر أصبح صائماً".
وذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي ، وهي رواية عن احمد ، وجمهور السلف إلى أن الشهر يثبت برؤية الهلال، أو إكمال العدة ثلاثين يوماً ، وأن صيام يوم الغيم لايجزئ عن رمضان. وقالوا إن معنى فاقدروله أي: قدروا تمام العدد ثلاثين يوما ، واحتجوا ببقية الروايات ، مثل : " فاقدروا له ثلاثين، وهي مفسرة للرواية المطلقة "فاقدروا له".
وقال مطرف بن عبد الله بن الشخير وأبو العباس بن سريج وابن قتيبة وآخرون معناه قدروه بحساب المنازل. وقالوا: إن الشهر يثبت بالحساب الفلكي.
والراجح أن الشهر يثبت برؤية الهلال، فإن غّم أكمل ثلاثين يوماً، وهو قول جمهور العلماء، لأن القول بتقديره تحت السحاب والغيم منابذ لصريح باقي الروايات، والقول بحساب المنازل مردود بما ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا". قال ابن حجر "والمراد أهل الإسلام الذين بحضرته عند تلك المقالة، والمقالة محمولة على أكثرهم، لأن الكتابة كانت فيهم قليلة نادرة، والمراد بالحساب هنا: حساب النجوم وتسييرها، ولم يكونوا يعرفون من ذلك إلا النزر اليسير، فعلق الصوم وغيره بالرؤية لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التسيير، واستمر الحكم في الصوم ولو حدث بعدهم من يعرف ذلك. بل ظاهر السياق ينفي تعليق الحكم بالحساب أصلاً".
وقال النووي: " فالصواب ما قاله الجمهور، وما سواه فاسد مردود بصريح الأحاديث السابقة".
وقال ابن تيمية: " ولا ريب أنه ثبت بالسنة الصحيحة واتفاق الصحابة أنه لا يجوز الاعتماد على حساب النجوم".
وقد قرر المجمع الفقهي الإسلامي في دورته الرابعة المنعقدة بمكة بتاريخ 7-17 ربيع الآخر سنة 1401هـ في قراره الأول أن العمل بالرؤية في إثبات الأهلة لا بالحساب الفلكي. والله اعلم.