عنوان الفتوى : التدبر مطلوب عند قراءة القرآن والأذكار
يكفي مثلا إذا قال الإنسان (الحمد لله رب العالمين) أن يشعر بأنه يثني على الله دون محاولة استحضار معنى الحمد وكلمة رب والجملة كلمة كلمة علماً بأني حاولت ذلك ووجت فيه مشقة وسهوا؟ وهل معرفة معنى ما نقول من أذكار وأدعية واجبة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فينبغي لقارئ القرآن أن يقرأ بتدبر لقوله تعالى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا {محمد: 24}.
ولقوله تعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ {ص: 29}.
قال النووي رحمه الله: فإذا شرع في القراءة فليكن شأنه الخشوع والتدبر عند القراءة والدلائل عليه أكثر من أن تحصر، وأشهر وأظهر من أن تذكر، فهو المقصود المطلوب، وبه تنشرح الصدور، وتستنير القلوب، قال الله عز وجل: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ، وقال تعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ
والأحاديث فيه كثيرة، وأقاويل السلف فيه مشهورة، وقد بات جماعة من السلف يتلون آية واحدة يتدبرونها ويرددونها إلى الصباح، وقد صعق جماعة من السلف عند القراءة، ومات جماعة حال القراءة. اهـ
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيخرج ناس يقرأون القرآن دون تدبر، فقال صلى الله عليه وسلم: سيخرج أقوام من أمتي يشربون القرآن كشربهم اللبن. رواه الطبراني وحسنه الألباني ، قال المناوي في فيض القدير في شرح هذا الحديث: أي يسلقونه بألسنتهم من غير تدبر لمعانيه، ولا تأمل في أحكامه، بل يمر على ألسنتهم كما يمر اللبن المشروب عليها بسرعة، والتدبر هو استحضار معنى الجمل والكلمات المكونة لها.
وأما الأدعية والأذكار، فإن الأفضل تدبر معناها، وقد ذهب بعض الزهاد إلى وجوب ذلك، والصواب استحبابه، لأن للذكر مراتب في الفضل بعضها فوق بعض.
قال ابن حجر في الفتح: ورأيت في الحلبيات للسبكي الكبير: الاستغفار طلب المغفرة إما باللسان أو بالقلب أو بهما، فالأول فيه نفع لأنه خير من السكوت، ولأنه يعتاد قول الخير، والثاني نافع جداً، والثالث أبلغ منهما. انتهى في 13/472.
وقال في 1/14: النية إنما تشترط في العبادة التي لا تتميز بنفسها، وأما ما يتميز بنفسه فإنه ينصرف بصورته إلى ما وضع له كالأذكار والأدعية والتلاوة، لأنها لا تتردد بين العبادة والعادة، ولا يخفى أن ذلك إنما هو بالنظر إلى أصل الوضع، أما ما حدث فيه عرف كالتسبيح للتعجب فلا، ومع ذلك فلو قصد بالذكر القربة إلى الله تعالى لكان أكثر ثواباً، ومن ثم قال الغزالي: حركة اللسان بالذكر مع الغفلة عنه تحصل الثواب، لأنه خير من حركة اللسان بالغيبة، بل هو خير من السكوت مطلقاً، أي المجرد عن التفكر، قال: وإنما هو ناقص بالنسبة إلى عمل القلب. انتهى، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: في بضع أحدكم صدقة. انتهى قول ابن حجر.
وقال الطاهر بن عاشور في (التحرير والتنوير): وعن رابعة العدوية أنها قالت: استغفارنا يحتاج إلى الاستغفار، وفي كلامها مبالغة، فإن الاستغفار بالقول مأمور به في الدين.
وقال أبو حامد الغزالي في (إحياء علوم الدين) في توجيه كلام رابعة العدوية: قالت رابعة العدوية: استغفارنا يحتاج إلى استغفار كثير، فلا تظن أنها تذم حركة اللسان من حيث إنه ذكر الله، بل تذم غفلة القلب، فهو محتاج إلى الاستغفار من غفلة قلبه، لا من حركة لسانه، فإن سكت عن الاستغفار باللسان أيضاً احتاج إلى استغفارين لا إلى استغفار واحد.
وقال ابن رجب الحنبلي في (جامع العلوم والحكم): وإن قال بلسانه: استغفر الله وهو غير مقلع بقلبه، فهو داع لله بالمغفرة، كما يقول: اللهم اغفر لي، وهو حسن، وقد يرجى له الإجابة.
والله أعلم.