عنوان الفتوى : السبل الناجعة لتغيير جاهلية الأهل
أهلي يكرهونني ويحبون أخي، فأنا متدين وملتزم وأخي ملحد ويمارس كل الشهوات ، وهم دائما يخبرونني بأنه أجمل مني وأذكى مني ، وكل هذا لأني لا أدخن ولا أضحك كالمهرج ولا أصاحب فتيات ولا أعيش حياتي إرضاء للناس فكيف أعاملهم؟؟؟ هل أتركهم؟؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الدنيا دار ابتلاء، ولا يسلم من ذلك أحد، حتى أحب الخلق إلى الله، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو أنك طالعت سيرته من أولها إلى آخرها لوجدتها ملأى بشتى أنواع البلايا، وكذا الرسل والأنبياء قبله، ولكن نبشرك بأن عظم الأجر مع عظم البلاء، وأن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، وانظر الفتويين: 51946، 27082 وإذا كان ما تقول عن أخيك وأهلك حقا، فالذي ننصحك به هو أن تصبر على أذاهم، وأن تدفع بالتي هي أحسن، فإن عاقبة الصبر جميلة، وإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب، وانظر الفتوى رقم: 1764.
واعلم أنهم أتوا من قبل جهلهم بالله وبأسمائه وصفاته وأفعاله وما أعده لأوليائه وما توعد به أعداءه، ولذلك لم يروا قبح ما عليه أخوك، ولم يروا حسن ما أنت عليه.
فهم مرضى وأنت الطبيب، والطبيب لا يضجر من المريض، وإنما يتألم لحاله ويجتهد في علاجه.. فحاول أن تبصرهم بمعبودهم سبحانه وتذكرهم بعبوديتهم له وبافتقارهم إليه، وبالغاية التي خلقهم من أجلها، واستعمل الحكمة في دعوتك لهم وعظهم موعظة حسنة، كل ذلك بقدر المستطاع، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
وإذا أردت أن يتغير شكل العلاقة بينك وبين أهلك فابدأ أنت بالتغيير. قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ {الرعد: 11} فابذل الوسع في التقرب لوالديك والتودد لهما من بذل للمعروف وتقديم للهدايا التي تفرح قلبيهما، وألن الكلام لهما، وانظر إليهما بحب وإشفاق ورحمة. قال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت: 34} قال ابن عباس في تفسير الآية: أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم. اهـ.
فكيف إذا كان هذا الإحسان للوالدين اللذين هما من أكثر الناس رحمة وشفقة بالإنسان، فلا شك أن هذا كفيل بإزالة ما في نفسيهما من شحناء قد تكون تسببت فيها دون أن تشعر.
واعلم أنك ستجد في البداية بعض الصعوبات في قهر نفسك وإذلالها لهما، وقد لا تجد استجابة سريعة منهما، بل قد يسخران منك فلا تبتئس وتترك هذه الطريقة في التعامل معهما، فهي مجربة وأكيدة، وإن كان تأثيرها يظهر بعد فترة قد تطول، وإن الذي يحفزك على هذا الخلق والأدب معهما علمك أن عملك هذا يرضي الرحمن جل وتعالى، ويرضي رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد قال سبحانه وتعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا {الأحقاف: 15} ولقد أتى بعض الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: يا رسول الله: إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة، قال: ويحك أحية أمك؟ قلت: نعم يا رسول الله، قال: ويحك الزم رجلها فثم الجنة. رواه ابن ماجه وغيره، وصححه الألباني.
واسأل الله كثيرا بذل وإلحاح أن يهدي والديك، وأن يفتح بينك وبين أهلك إلى الحق وهو خير الفاتحين.
واستمر على ما أنت عليه من الإيمان والاستقامة وترك المحرمات، فإن في ذلك تحقيقا لعبوديتك لله وانقيادا لأمره ونهيه تعالى، وإن الدنيا وإن طالت أيامها فهي إلى فناء، وعند الموت سينفعك إيمانك واستقامتك، ومن اهتدى فلنفسه، كما ننصحك بأن تكون لك رفقة صالحة من المؤمنين تؤنسك وتتبادل معها النصح وتتعاون معها على الخير، فإن إخوان الصدق من أعظم أسباب الاستقامة على أمر الله والثبات على دينه، وإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
والله أعلم.