عنوان الفتوى : الرد على عدة استفسارات تتعلق بالزواج من زوجة ثانية
بسم الله الرحمن الرحيم ..وددت أن أعرض عليكم أمراً قد التبس علي حكمه،ذلك أني قرأت في إحدى المواقع أن ظاهرة قد بدأت الانتشار في السعودية.. ألا وهي: الزواج من الخادمة.وقد يبدو أن هذا الأمر ليس فيه ما يدعو للغرابة، لكن بعد التأني في التفكير ستجد أن هذا الأمر قد ألبس ثوب التقى والورع. والورع بعيد عنه، و الأمر كما قرأته:إن الرجل صاحب البيت، يخشى على نفسه من فتنة الخادمة، و في نفس الوقت يرى أن بقاء الخادمة في البيت بلا محرم لا يجوز، لذا يقوم بالزواج منها، دون علم الزوجة الأولى، و يشترط عليها في ذلك أن لا تنجب، وأن لا تطالب بمعاملة خاصة، وأن يكون الزواج سريا حتى وقت مغادرتها.ولا شك عندي أن من يقوم بهذا الأمر قد أراد قضاء شهوته بأسوأ الطرق، ذلك أن لهذا الزواج أمورا مستورة أحب أن أحدثكم عنها كي أحصل على حكم واضح فيه، إذا كان باطلا أم لا؟أولاً: هذا الرجل يضع في نيته الزواج من الخادمة قبل إحضارها، فيذهب لمكتب الأيدي العاملة، ويختار واحدة توافق هواه، ثم يتزوج منها قبل إحضارها للبيت، و يجب أن تعرف أنه في بعض الأحيان تكون الزوجة الأولى هي التي تدفع راتب الخادمة، والتي تكون ضرتها في نفس الوقت، ولا علم لها بذلك .. فهل لهذه الدرجة المرأة ليست لها كرامة تصان ومشاعر تحتسب في الاسلام؟ ألهذه الدرجة يمكن أن نحط من مشاعر المرأة واحترامها لأن التعدد مباح؟أما من الناحية الدينية فلي مآخذ كثيرة على الموضوع. أولاً: لا يجوز للرجل ان يعدد إذا (خشي) أن لا يعدل، فما بالك بمن يعلم علم اليقين عدم قدرته على العدل بل ويجعله شرطاً للزواج؟كما أنه يجعل من إحداهن خادمة للثانية، ويحرم إحداهن من الإنجاب، و يفرض عليها السرية، ولا يحقق العدل في المبيت، ولا في النفقة، ولا يحقق العدل في التعامل. حيث أنه يسمح للزوجة الأولى بالتعدي على الثانية، بل قد يساعدها في ذلك كي لا يفضح أمر نفسه، والرجل هنا يأخذ كل حقوقه دون أن يؤدي واجباته.. فهل يجوز ذلك؟؟ من ناحية أخرى أرى أن هذا الزواج بني بنية المتعة.. وأرى أنه لا يختلف عن زواج المتعة في شيء سوى عدم إظهاره، و تبييت ذلك في نية الرجل، فهو يتزوج منها لمدة سنتين، ثم يطلقها، ثم يتزوج بالخادمة الجديدة و هكذا، وقد نسي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لعن الله كل مزواج مطلاق". وقد يقول البعض إنه طالما الزوجة لا تعلم بأن الرجل ينوي طلاقها بعد فترة معينة، فلا بأس في هذا الزواج، لأنه لا يعتبر زواج متعة، وأنا أقول إن العبرة بالنية، وليس بالعقد، بل أنا أرى أن فيه ظلماً أشد، لأنه تغرير بالزوجة وغش لها، والله لا يرضى أن تكون المرأة لعبة في يد الرجل. إن كان هناك بعض المشايخ الذين وافقوا على زواج المتعة، بشرط أن يكون الرجل مثلا غير قادر على الزواج، وفي غربة ويخشى العنت، وإن كنت أرى أيضا أن هذا ليس تبريرا لزواج المتعة، إلا أن من يتزوج بخادمته لا تنطبق عليه الأمور السالفة الذكر فهو يعتبر محصنا لأنه متزوج بالأصل. من ناحية ثالثة إن هذا الزواج يتم بدون ولي حقيقي، ففي شركة الأيدي العاملة، يدعي رجل بأنه ولي لأكثر من 20 خادمة، فتلك أخته والأخرى بنت عمته وهلم جرا . وهذا كله كذب. كما أنه هنا يتزوج بامرأة غير معروفة، وهذا مما أعلم أنه لا يجوز في ديننا، بل قد تكون زانية في بلدها، لأن الزنا منتشر في تلك المجتمعات، وقد أخذ البعض على هذا الموضوع أنه طالما هناك شهود وعقد فهو زواج صحيح، وأنا أعترض على ذلك لعلمي أن زواج التحليل باطل بالرغم من توفر تلك الشروط، ذلك أن النية تكفي لجعل الزواج باطلاًفهل تكفي هنا نية الرجل بالمتعة المؤقتة لجعل الزواج باطلا؟؟فهو إن أخبر الخادمة بنيته الزواج منها لفترة مؤقتة يكون زواج متعة، وإن لم يعلمها بنيته أصبح غشا و تغريرا بالزوجة، وإن أصبح هذا الأمر حلالاً لفتح الباب على مصراعيه للرجال أن يتزوجوا مع تبييت نية الطلاق بعد فترة معينة، طالما أن الأمر مقبول .. بل قد تلجأ النساء أيضا إلى الزواج وفي نيتهن طلب الطلاق بعد فترة، لأمر ما في نفس يعقوب .. مثلا من أجل أن تغيظ الزوج السابق لها، أو لأمور أخرى.أخي الكريم لقد أعطى الله الكثير من الرخص للرجل، ومنها التعدد، ولكن ما يقوم به هنا هو استهتار بقيم الإسلام، وما أسوأها من صورة للرجل المسلم أن يظهر بمظهر الرجل صاحب الغريزة، والذي بمقدوره أن يقوم بخداع اثنتين بكل وقاحة في بيت واحد من أجل ملذاته، فما هي الصورة التي ستنقلها تلك المرأة عن الإسلام عندما تعود لبلدها ؟؟؟ وماهي كرامة المرأة المزعومة إن كانت مخدوعة في أقرب الناس لها وفي عقر دارها، فهل بقي بعد ذلك كلمة طيبة نقولها عن الإسلام؟وعذرا لطول رسالتي.والسلام عليكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإننا بعد استعراض السؤال عن حكم الزواج بالخادمة وجدناه يشتمل على النقاط التالية:
1- اشتراط عدم الإنجاب. 2- عدم المطالبة بمعاملة خاصة.
3- دفع مرتب الزوجة من قبل الزوجة الأولى.
4- كونها خادمة للأولى. 5- عدم تحقق العدل في المبيت أو النفقة أو نحو ذلك.
6- الزواج بدون علم الزوجة الأولى. 7- الزواج قبل إحضار الخادمة الزوجة.
8- الزواج من امرأة غير معروفة. 9- أن يكون الزواج سريا حتى وقت المغادرة.
10- الزواج مع نية الطلاق. 11- الزواج بدون ولي حقيقي.
هذا هو أهم ما ورد في السؤال: والجواب ـ والله تعالى أعلم ـ أن اشتراط النقاط الخمس الأولى داخل في الشروط التي تعود إلى معنى زائد في العقد لا يشترط ذكره، ولا يضر الجهل به، فاشتراطها لا يؤثر على صحة العقد، لأن النكاح يصح مع الجهل بالعوض، فجاز أن ينعقد مع الشرط الفاسد. وقد مثل الفقهاء للشروط الفاسدة التي تلغى ويصح العقد بها: إذا اشترط الزوجان أو أحدهما عدم الوطء، أو قسمة أقل من ضرتها، أو أكثر منها، أو اشترط الزوج العزل عنها. فقالوا بصحة العقد في هذا ومثله مع بطلان الشرط، ولأنه ينافي مقتضى العقد لتضمنه إسقاط حق قد وجب بالعقد قبل انعقاده.
أما النقاط: السادسة والسابعة والثامنة فلا تأثير لها على صحة النكاح، فلا يشترط علم الزوجة الأولى بزواج زوجها من ثانية، كما لا يشترط حضور الزوجة الجديدة لمجلس العقد، بل ولا معرفة عينها، وإن كان المستحب النظر إلى ما تدعو إليه الحاجة من المخطوبة. وكونها غير معروفة لا تأثير له أيضا على صحة النكاح، وكل فرد من أفراد المسلمين فهو محمول على الطهارة والعفة، ما لم يثبت ضد ذلك.
أما النكاح مع نية الطلاق، وليس نكاح المتعة كما أطلق عليه في السؤال ـ وهي النقطة العاشرة ـ فهو أمر مختلف فيه، والذي عليه الجمهور أنه صحيح، وكون هذا الزواج سرياً حتى وقت المغادرة، إذا كان المقصود من سريته أنه بدون ولي ولا شهود فهو باطل، لأن الولي والشهود من شروط صحة النكاح، وإذا كان المقصود أن الزوجة الأولى لا تعرفه، أو أنه محاط بشيء من الكتمان، فهذا لا يضر. قال صاحب الإقناع: ولا يبطل النكاح بالتوصي بكتمانه، فإن كتمه الولي والشهود والزوجان قصداً صح العقد وكره لأن السنة إعلان النكاح.
وأما بالنسبة للنقطة الأخيرة، والتي هي كون هذا الزواج بدون ولي حقيقي، فبتحديده نفياً أو إثباتاً يتفرع الحكم على هذا الزواج بالصحة أو الفساد، فلو تحقق من خلو هذا الزواج من ولي وشهود فهو باطل، كما صرحت بذلك الأحاديث، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل" رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وابن حبان وغيرهم . وأخطر من ذلك ـ وهو ما لم يذكر في السؤال ـ أن يقع العقد على من هي في عصمة زوج آخر، وقد وقع فيه بعض من غرر بهم، وهو ناتج عن التخلي عن الشروط الأخرى من الولي الحقيقي والشهود. فالله المستعان.
وبعد هذا كله فتلخيص ما وصلنا إليه في حكم زواج الخادمة على النحو السابق في السؤال هو:
أنه لا يجوز ابتداء، لما فيه من قلب الحياة الزوجية المبنية على المودة والرحمة إلى حياة أخرى مغايرة لها تماماً، ولما يترتب عليه أيضا من إسقاط الحقوق الواجبة للزوجة، أو التساهل بها على الأقل، وتعريضها للأهواء، وأنه بعد الوقوع ماض، وتلغى الشروط التي تنافي مقتضى العقد، هذا إذا كان بولي وشهودٍ، وإلا فهو باطل. والله تعالى أعلم.