عنوان الفتوى : أذية الجار دليل على ضعف الإيمان
أشكركم على جهودكم في استقبال أسئلتنا والرد عليها. جزاكم الله عنا خير الجزاء أود أن أسأل عن مشكلة خاصة بالجيران المجاورين لنا: إن أحد جيرانى يأخذ رقم تليفون منزلي ويعطيه للشباب المنحرفين ليعاكسوا أهل بيتي بالكلام غير اللائق أخلاقيا وعندما واجهته بالأدلة أنكر وسب في أهل بيتي سبا علنيا أمام باقي الجيران, وما أود أن أسأل عنه الآن: كيف أعامل جاري هذا بما يرضاه الشرع؟ وأنا قد قاطعته واعتزلته ولا كلام ولا تعاملات بيننا. فهل هذا يجوز؟وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الإسلام عظم حق الجار، وجعل إكرامه من كمال الإيمان، وجعل أذيته دليلا على نقص الإيمان وضعفه، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 14785 و 32391 و 46583.
ولتتقي شره ننصحك باتخاذ التدابير التالية:
أولا: حاول إدخال أحد الرجال الثقات بينك وبين جارك، وليكن إمام المسجد مثلا أو أحد أقربائه من العقلاء، فيذكره بالله العظيم لعله يتذكر أو يخشى، والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وقد يتأثر الرجل بالموعظة فينكف عن غيه ويرجع عن أذيته لك.
ثانيا: لا تسمح لنساء البيت برفع سماعة الهاتف إلا إذا تأكدن من أن رقم الشخص الطالب معروف لديهن، وهناك تقنية تعينك على ذلك.
هذا؛ ولك أن تتخذ معه أسلوب المداراة، والمداراة طريقة نبوية يلجأ إليها العقلاء، فتعامله كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعامل جفاة الأعراب أو المنافقين المؤذين، فكان صلى الله عليه وسلم يتألفهم بالهدية ويهش في وجه بعضهم اتقاء شره، فعن عروة بن الزبير أن عائشة أخبرته أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: ائذنوا له فبئس ابن العشيرة. أو بئس أخو العشيرة، فلما دخل ألان له الكلام، فقلت له: يا رسول الله، قلت ما قلت ثم ألنت له في القول؟ فقال: أي عائشة، إن شر الناس منزلة عند الله من تركه الناس أو ودعه الناس اتقاء فحشه. رواه البخاري ومسلم. وذكر البخاري عن أبي الدرداء أنه قال: إنا لنكشر في وجوه أقوام ونضحك إليهم وإن قلوبنا تلعنهم. ومثله قول علي: إنا لنبش في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم. وقال الثوري: قال ابن عباس: ليس التقية بالعمل، إنما التقية باللسان. وفي بعض الأخبار: ما وقى الرجل به عرضه فهو له صدقة. و خالطوا الناس بأعمالكم وزايلوهم بالقلوب. وقال محمد ابن الحنفية: ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بدا حتى يجعل الله له منه فرجا. وقال بعضهم: خالص المؤمن مخالصة، وخالق الفاجر مخالقة، فإن الفاجر يرضى بالخلق الحسن في الظاهر.
والخلاصة أن المداري يبذل الدنيا ليصون دينه وعرضه، والمداهن يبذل دينه ليحصل لعاعة من الدنيا، فالمداراة خلق المؤمن والمداهنة خلق المنافق. وقد قال تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم {فصلت: 34}. وقال ابن عباس في معنى قوله: وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ {القصص:54}. أي الفحش والأذى بالسلام والمداراة.
فزره في بيته وأعطه هدية، وألن له في الكلام مداراة واتقاء لشره، فإن لم ينكف عن غيه فلك أن تقاطعه ولا تزد عند لقائه عن رد السلام إن ألقاه عليك، وبإمكانك أن تستدعي عليه الشرطة والجهات الأمنية إن كانت لديك بينات وعلمت أن في ذلك مصلحة راجحة . واستعن عليه بالدعاء، فاسأل الله دائما أن يكفيك شره ويكف بأسه عنك. وإن وجدت بيتا آخر فانتقل إليه والله يعوضك خيرا، والموعد القيامة، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
والله أعلم.