عنوان الفتوى : الغناء في الصدر الأول
هل كان هناك في عهد الرسول أغاني عن الحب التي هي كانت عبارة عن الشعر والزجل وأرجو أن يتوفر دليل إن كانت هناك فعلا أغاني في عهد الرسول ؟ جزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن ما يشاهده الناس اليوم من الأغاني الماجنة المحرمة، والحركات الخليعة المتبذلة، وكلمات الحب الفاجرة التي تلوح بالحرام تارة وتصرح به أخرى، ومظاهر أهله الذين يدعون إلى الحرام بلسان حالهم قبل لسان مقالهم؛ كل ذلك لا يشك عاقل ممن لهم أدنى معرفة بشرع الله تعالى أنها لا تجوز، ومعاذ الله أن يكون مثل هذا وجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو في عهد أي من خلفائه الراشدين رضوان الله عليهم.
وقد ابتدع بعض الصوفية أنواعا أخرى من الأغاني والرقص، وألبسوها لبوس الدين، وأنكر عليهم علماء الإسلام في كل عصر من العصور.
وعلى هذا، فالذي يشاهده الناس اليوم من الغناء، سواء ألبس لباس الدين أو غيره فإنه لا يجوز لفحشه واشتماله على الموسيقى والمزامير.
أما الذي كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنما هو حكاية الأشعار التي تعبر عن المعاني الرفيعة، وتدعو إلى الأخلاق الفاضلة والترنم والحداء، وربما أنشد الصحابة رضوان الله عليهم الأناشيد الحماسية جماعة وأفرادا.
وكانت النساء يضربن بالدف ويغنين في المناسبات السارة والأعياد الإسلامية.
وقد دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة والحسنة، فمن ذلك ما في الصحيحين وغيرهما عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش وحول وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني وقال: مزمار الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: دعهما، فلما غفل غمزتهما فخرجتا، وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب، فإما سألت النبي صلى الله عليه وسلم، وإما قال تشتهين تنظرين؟ فقلت: نعم، فأقامني وراءه، خدي على خده وهو يقول: دونكم يا بني أرفدة، حتى إذا مللت قال: حسبك؟ قلت نعم، قال: فاذهبي. وفي رواية: وليستا بمغنيتين. وفي رواية أخرى: وعندها جاريتان في أيام منى تغنيان وتدففان وتضربان.
قال الحافظ في الفتح: واستدل جماعة من الصوفية وغيرهم على إباحة الغناء وسماعه بآلة وبغير آلة بحديث الباب، ويكفي في رد ذلك تصريح عائشة في الحديث بقولها: وليستا بمغنيتين. فنفت عنهما من طريق المعنى ما أثبتته لهما باللفظ، لأن الغناء يطلق على رفع الصوت وعلى الترنم الذي تسميه العرب(النصب) بفتح النون وسكون المهملة الحداء، ولا يسمى فاعله مغنيا، وإنما يسمى بذلك من ينشد بتمطيط وتكسير وتهييج وتشويق بما فيه تعريض بالفواحش أو تصريح.
ثم قال: قال الفرطبي قولها: ليستا بمغنيتين: أي ليستا ممن يعرف الغناء، كما يعرفه المغنيات المعروفات بذلك، وهذا منها تحرز عن الغناء المعتاد عند المشتهرين به، وهو الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن، وهذا النوع- إذا كان في شعر فيه وصف محاسن النساء والخمر وغيرهما من الأمور المحرمة- لا يختلف في تحريمه قال: وأما ما ابتدعه الصوفية في ذلك فمن قبيل ما لا يختلف في تحريمه، لكن النفوس الشهوانية غلبت على كثير ممن ينسب للخير، حتى لقد ظهرت من كثير منهم فعلات المجانين والصبيان حتى رقصوا بحركات متطابقة، وتقطيعات متلاحقة، وانتهى التواقح بقوم منهم إلى أن جعلوها من باب القرب وصالح الأعمال، وأن ذلك يثمر سني الأحوال . وهذا على التحقيق من آثار الزندقة وقول المخرفة ، والله المستعان . وينبغي أن يعكس قولهم و يقرأ: (سيء) الأحوال بالياء والهمزة.
هكذا كان العلماء في كل عصر يبينون الدين، ويوضحون سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويردون شبه أصحاب الهوى والشهوات.
ومما كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الصحابة كانوا يرتجزون وينشدون، وربما ردد معهم النبي صلى الله عليه وسلم كما فعل يوم الخندق، فكان يرتجز معهم بشعر ابن رواحة ويقول: وإن أرادو فتنة أبينا..... يمد بها صوته مع أصحابه كما في البخاري وغيره.
هذه باختصار بعض ملامح ما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، أما المعازف والموسيقى وآلات اللهو التي يتهالك عليها الناس اليوم، ويشتغل بها جيوش ممن يعرفون بالفنانين والفنانات فلم تكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في القرون المشهود لها بالخير، وللمزيد نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 5282.
والله أعلم