عنوان الفتوى : القاضي يحكم على ما يظهر له من إقرار أو بينة أو قرينة ولا يعلم النيات إلا الله

مدة قراءة السؤال : 3 دقائق

كثيرا ما يسول الشيطان لابن آدم بظلم أخيه، بالفعل أو القول، وقد يؤدي النزاع بين اثنين إلى مرحلة التشابك الجسدي وقد يكون أحد الطرفين أو كلاهما في يده ما يضر الآخر فيصيب عند التشابك أخيه والقصد يخفى وإن كانت الواقعة تحتمل كلا القصدين أعني العمد والخطأ معا وقد تحتمل شبه العمد عند من قال به من المذاهب .. وأضرب هنا مثالا : شخص يقر بأنه قد اشتبك مع آخر وقد كان كلاهما متسلح بسكين فبادره ذلك الشخص بطعنة في موضع من جسده، فرد عليه الطعنة بطعنة مثلها إلا أن ذلك الشخص حاول تفاديها ولكونه تحرك فقد أصابته الطعنة في مقتل .. ففي هذا المثال نجد القاتل بادر بالاعتراف بتسببه في مقتل المجني عليه لكنه ينفي تعمد القتل مبينا أنه كان يدافع عن نفسه ، وأنه لم يقصد إصابة المقتول في ذلك الموضع وإنما أصابته الطعنة فيه بسبب حركته ... مثال آخر : اثنان تشابكا وكان في يد أحدهما مسدسا ونتج الاشتباك عن مقتل الآخر ، فالأول يقر بأن المسدس كان وقت الاشتباك في يده ، لكنه يقول بأنه كان يحمله خوف تعدي المقتول عليه وكان يريد أن يرتدع المقتول عندما يراه ، ألا أن المقتول بادر بالاشتباك معه فانطلقت رصاصة من المسدس أدت إلى حدوث القتل ، وهو يقول بأنها انطلقت بفعل من المقتول نفسه ، وقد يقول أيضا : أردت إطلاقها فوق رأس المقتول لكي أخيفه لكن أخطأت فأصابت رأسه .... وقد يقول : بأن المقتول استطاع انتزاع المسدس من يدي فخشيت أن يبادرني بإطلاق النار وعندما أردت الإمساك بيده ونزعه منه انطلقت رصاصة منه .... الخ الخلاصة هي أني أسأل عن ما أورده فقهاء المذاهب المختلفة بشأن القتل ، وأنه كان من المتيسر في عصرهم معرفة أو الوقوف على قصد الجاني وهل كان يقصد العمد أو الخطأ بالنظر إلى أن الآلات في عصرهم بسيطة وتتطلب عدة حركات في الغالب يستنتج من ثبوتها بالإقرار أو الشهادة أن ذلك القتل كان عمدا أو خطا ، إذ من الصعب على القاتل أن يقول قتلته خطأ وفي جسم المقتول عدة طعنات أو ضربات بالسيف يقر بأنها منه ... خلافا لما الحال في عصرنا فيما يتعلق بالأسلحة النارية ، وخصوصا حال حدوث اشتباك بين الطرفين . وعليه فآمل منكم التكرم بالإفادة في هذا الشأن ، مع الإحالة بقدر المستطاع ـ وألح بشأن هذا الأمر ـ إلى ما تقفون عليه من أقوال الفقهاء فيما يتعلق بحالات الالتحام أو الاشتباك بين الطرفين وما قد ينتج عنه من جروح أو قتل في حال ثبوت الواقعة بالإقرار أو الشهود مع خفاء القصد أو الدفع بأنه خطأ وليس عمدا ،،، وجزاكم الله خير جزائي الدنيا والآخرة .

مدة قراءة الإجابة : 3 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الظلم محرم بالفعل والقول، لما في الحديث القدسي: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا. رواه مسلم. وفي حديث البخاري: الظلم ظلمات يوم القيامة.

وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي المسلمين خير فقال: من سلم المسلمون من لسانه ويده. رواه مسلم. وقال النووي في شرحه: معناه: من لم يؤذ مسلما بقول ولا فعل.

ويجوز للمظلوم أن يدافع عن نفسه بقدر مظلمته ولا يجوز له الاعتداء، والأولى له الصفح، لقول الله تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ {الشورى: 40-41}.

ثم إنه إذا أراد الدفاع عن نفسه وحصل منه ما أدى لقتل من ظلمه، فإن أمر القصد والنية يختلف فعلا من شخص إلى شخص، ويختلف كذلك ما يترتب عليه في الدنيا والآخرة.

فإن الله تعالى لا تخفى عليه خافية، ويعلم ما تكن صدور الناس وما يعلنون، يجازي العبد بحسب نيته.

وأما القضاء الشرعي، فإنه يتعامل مع الناس بحسب الإقرار أو البينات، وحسب ما يظهر من القرائن.

 وقد فرق الفقهاء بين نية القاتل للقتل وبين عدمها، كما فرقوا بين استخدام وسيلة تؤدي إلى القتل عادة، وبين استخدام ما لا يؤدي للقتل عادة.

وقد بينا تفصيل ذلك وذكرنا الفرق بين القتل العمد، والقتل الخطأ، وشبه العمد في عدة فتاوى، فراجع منها الفتاوى التالية أرقامها: 17038، 17567، 47073، 53535، 43371، 57363.

ويمكنك الاطلاع على بعض كلام الفقهاء حول الموضوع في الاستذكار لابن عبد البر، والمجموع للنووي، والمغني لابن قدامة، والإنصاف للمرداوي، ومغني المحتاج للشربيني،حك وشروح خليل.

والله أعلم.