عنوان الفتوى : المضاربة في المال العام وهل يزكى
حدثت حرب أهلية في إحدى البلدان ولثقة المسؤولين بي في تلك الدولة أعطونى مبلغاً من المال كوديعة ترد بعد انتهاء الحرب. وإلى الآن لم تنته. وأنا بمجرد أن أخذت المال استثمرته حتى لا تأكله الزكاة وينتهي المبلغ، وهو الحمد لله الآن قد تضاعف المبلغ عدة مرات ، وأنا أعيش خارج تلك الدولة التي فيها الحرب الأهلية أي أصرف من ناتج استثمارات الوديعة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فإن ما فعلته من التجارة والاستمثار لهذا المال هو الصواب إن شاء الله تعالى، ذلك أن هذا المال الذي هو مال المسلمين لا ينبغي أن يحبس بدون مصلحة فإما أن يصرف إلى المستحقين وهذا متعذر بالنسبة للمسألة المعروضة، وأما أن يستثمر وينمى. ولعل ما أشار إليه الإمام الشافعي في تعليله لموقف عمر بن الخطاب في قصة تجارة ولديه بمال المسلمين دليل على ما ذكرنا. جاء في كتاب الأم للشافعي ما يلي: قال أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عبد الله وعبيد الله ابني عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرجا في جيش إلى العراق فلما قفلا مرا على عامل لعمر فرحب بهما وسهل وهو أمير البصرة، وقال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت، ثم قال: بلى ها هنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين فأسلفكماه فتبتاعان متاعاً من متاع العراق ثم تبيعانه بالمدينة فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين ويكون لكما الربح، فقالا: وددنا ففعل، وكتب لهما إلى عمر أن يأخذ منهما المال، فلما قدما المدينة باعا فربحا فلما دفعا إلى عمر، قال: لهما أكل الجيش أسلفه كما أسلفكما؟ فقالا لا، فقال عمر: ابنا أمير المؤمنين فأسلفكما فأديا المال وربحه، فأما عبد الله فسكت، وأما عبيد الله فقال: ما ينبغي لك هذا يا أمير المؤمنين لو هلك المال أو نقص لضمناه، فقال أدياه. فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير الؤمنين لو جعلته قراضاً فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه، وأخذ عبد الله وعبيد الله نصف ربح ذلك المال. اهـ. قال الشافعي: ألا ترى عمر يقول: أكل الجيش أسلفه كما أسلفكما؟ كأنه، والله أعلم، يرى أن المال لا يحمل إليه مع رجل يسلفه فيبتاع ويبيع إلا وفي ذلك حبس للمال بلا منفعة للمسلمين، وكان عمر ـ والله أعلم ـ يرى أن المال يُبعث به أو يرسل به مع ثقه يسرع به المسير ويدفعه عند مقدمة لا حبس فيه ولا منفعة للرسول.. أويدفع قراضاً فيكون فيه الحبس بلا ضرر على المسلمين. اهـ. ونستشف من هذا الكلام الرائع للإمام الشافعي أن استثمار أموال المسلمين خير من حبسها وتجميدها، وعليه فليس الخطأ في استثمار هذا المال ولكن الخطأ الذي وقع فيه الأخ الكريم هو أنه لم يستأذن ولم يتفق مع المسؤولين الذين أودعوا عنده المال على المتاجرة فيه. وعلى كل فلك من أرباح هذه التجارة النصف فيما مضى، ولعل هذا هو العدل وعليه يدل فعل عمر مع ولديه. جاء في منح الجليل: فإن قيل كيف جعله قراضاً وقد دخلا على القرض وغاية الأمر كان لعمر إما إجازة فعل أبي موسى وترك جميع الربح لهما أو رده وأخذ جميع الربح، فجوابه ما في سراج الملوك للطرطوشي وهو أن عمر جعل لا نتفاعهما بمال المسلمين نصف الربح للمسلمين، كأن المسلمين ساعدوهما في العمل وهو مستنده في تشطير عُماله في أموالهم فهو كالقراض. اهـ. وعليك الاتصال بالمسؤولين والاتفاق معهم على قسمه الارباح مستقبلاً. وأما الزكاة في هذا المال فليس عليه زكاة لإنه لا مالك له معين. جاء في مطالب أولي النهي: ولا تجب الزكاة في مال فيء ولا في خمس غنيمة لأنه يرجع إلى الصرف في مصالح المسلمين. ويجب عليك أن تزكي نصيبك من الأرباح إذا بلغ نصاباً بنفسه أوبما انضم إليه من نقود أخرى أو عروض تجارة هي ملك لك وحال عليه والحول. والله أعلم.