عنوان الفتوى : نصيحة جامعة في أحكام زيارة القبور
هذه الرسالة وردت للبرنامج من الجمهورية العراقية من محافظة التأميم، يسأل مرسلها (ع. ي. م) أو المرسلة (ع. ي. م) عن قبور الأولياء، تقول: سؤالي هو: يوجد عندنا في العراق بدع، وهي: أن بعض الناس يقصدون إلى قبور أولياء الله والصالحين من مكان بعيد، وعند زيارة القبر يخلعون أحذيتهم، والقبور مبني عليها، تقول في رسالتها: إنه مبني عليها شبه المساجد، هل هذا جائز؟ وعند دخولهم يصلون ركعتين وهي صلاة الزيارة تقال: سنة، هل هذا جائز أم لا، أفيدونا وفقكم الله لما فيه الخير وجزاكم الله عنا خيراً؟ play max volume
الجواب: هذا سؤال مهم وله شأنه العظيم، وهو تعظيم القبور بالزيارة البدعية والبناء على القبور واتخاذ المساجد عليها، هذه مسائل ذات أهمية، ينبغي أن يعلم أن زيارة القبور سنة؛ لأن النبي عليه السلام قال زوروا القبور تذكركم الآخرة.
ولكن ليس المقصود من الزيارة أن يدعى الميت أو يستغاث به أو يطلب منه المدد أو يتمسح بالقبر أو ما أشبه ذلك، لا، المقصود من الزيارة: ذكر الآخرة .. ذكر الموت، والدعاء للميت والترحم عليه إذا كان مسلماً، هذا المقصود؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة وفي اللفظ الآخر: تذكركم الموت فالسنة للزائر إذا زار أن يسلم على المقبورين وأن يدعو لهم بالمغفرة والرحمة، وكان النبي ﷺ يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية وفي لفظ: يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وكان يقول إذا زار البقيع: اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد فالسنة إذا زار القبور هكذا أن يدعو لهم بالمغفرة والرحمة .. يسلم عليهم ويدعو لهم هذا هو المشروع، أما أن يزورهم ليدعوهم من دون الله، ليطلب منهم المدد.. ليستغيث بهم .. لينذر لهم، هذا من الشرك الأكبر والعياذ بالله وهذا من عمل الجاهلية أبي جهل وأصحابه عند القبور، فهذا لا يجوز بل هو من الشرك الأكبر.
وهكذا الصلاة عند القبور لا تجوز، النبي ﷺ قال: ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك وقال: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد.
فلا يجوز الصلاة في القبور، ولا العكوف عندها، ولا سؤال أهلها، ولا الاستغاثة بهم، ولا النذر لهم كما تقدم، ولما رأت أم حبيبة وأم سلمة كنيسة في الحبشة وما فيها من الصور أخبرتا بذلك النبي ﷺ ، فقال: أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا بتلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله، فأخبر أنهم شرار الخلق بسبب تعظيمهم للقبور بالبناء عليها واتخاذ المساجد عليها ونحو ذلك، فالذي يفعله بعض الناس من اتخاذ المساجد قبور أو اتخاذ القباب على القبور المزينة بالذهب والفضة وغير ذلك كل هذا منكر، وقد ثبت عنه ﷺ أنه نهى عن تجصيص القبور، وعن القعود عليها، وعن البناء عليها، فلا يجوز للمسلمين أن يبنوا على القبور المساجد، ولا القباب ولا غيرها من الأبنية، بل تبقى ضاحية مكشوفة في الجبانة في المقابر، يأتي إليها الزائر ويسلم عليهم وهو واقف ثم ينصرف، ولا يجوز الصلاة عندها، ولا بين القبور، ولا التمسح بالتراب، ولا الجلوس عندها للقراءة أو الدعاء، كل هذا منكر، وإنما يسلم عليهم ويدعو لهم وينصرف كما فعله النبي ﷺ وكما فعله أصحابه، وكما علمهم النبي ﷺ ذلك عليه الصلاة والسلام.
والصلاة عند القبور من البدع ومن وسائل الشرك أيضاً، النبي ﷺ قال: اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا، دل ذلك على أن القبور لا يصلى فيها، ولا يصلى عندها، إنما الصلاة في المساجد .. في البيوت، أما القبور فلا؛ لأن الصلاة عندها من وسائل الشرك ومن وسائل العبادة من دون الله.
وهكذا البناء عليها، وهكذا اتخاذ المساجد عليها، وهكذا اتخاذ القباب عليها، وفرشها تطييبها، كل هذا من وسائل الشرك، ولا ينبغي للعاقل أن يغتر بما يفعله الناس الجهلة من هذا الشيء كما في بلاد كثيرة يعظمون القبور ويبنون عليها المساجد والقباب، وهذا من المنكرات العظيمة، ومن وسائل الشرك كما لا يخفى عند أهل العلم.
فوصيتي ونصيحتي للسائل أن يحذر هذا، فإذا زار القبور يزورها زيارة شرعية، يسلم عليهم ويدعو لهم إذا كانوا مسلمين وينصرف، أما الصلاة في المسجد الذي على القبر أو عند القبور فهذا منكر.
كذلك الجلوس عندها للدعاء أو القراءة كذلك لا يجوز، وهكذا أعظم وأكبر دعاؤها، والاستغاثة بها، والنذر لها، وطلبها المدد، هذا يفعله بعض الجهلة وهو من الشرك الأكبر.
فالواجب الحذر من ذلك غاية الحذر، وكثير من المسلمين عندهم جهل كثير في هذه المسائل، يفعلون ما يرون العامة يفعلونه عند القبور ولا يعلمون أحكام الشرع في ذلك.
والواجب على العلماء في كل بلاد أن يعلموا الناس وأن يرشدوا الناس إلى سنة نبيهم عليه الصلاة والسلام، وأن يحذروهم من الشرك والبدع، هذا هو الواجب على أهل العلم في كل مكان، ولكن بسبب قلة العلماء وقلة أهل التحقيق كثر هذا الشر في بلدان كثيرة، وظنوه ديناً وظنوه شيئاً مشروعاً، فصاروا يسارعون إليه يحسبون أنهم على هدى وعلى حق في ذلك، وهذه مصيبة يجب التنبيه عليها، ويجب على كل مسلم أن يسأل عما أشكل عليه، وألا يتساهل بالأمور العادية التي جرى عليها آباؤه وأسلافه، لا، بل يسأل، فإن الكفار كان من عادتهم اتباع أسلافهم على غير بصيرة كما حكى الله عنهم أنهم يقولون: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ [الزخرف:23]، فلا ينبغي التأسي بالكفرة في ذلك، بل تسأل أهل العلم إن كانوا عندك أو تكتب إليهم في أي بلاد، تسألهم عما أشكل عليك من أمور دينك حتى تكون على بصيرة؛ لأن الله قال: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43].
فالواجب على أهل الإسلام إذا كان ما عندهم علم أن يسألوا، يعني: كل إنسان ما عنده علم يسأل عما أشكل عليه في أمور القبور .. في أمور صلاته .. في زكاته .. في صيامه .. في معاملاته، في كل شيء.
المقدم: شكراً لفضيلة الشيخ.