عنوان الفتوى : الظاهرية.. ومسألة قراءة الجنب للقرآن
اشتريت مؤخراً كتابا عنوانه (القوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية) وهو كتاب عن المذهب المالكي، كما يشير أحياناً إلى المذاهب الأخرى، في باب قراءة القرآن كتب أن الجنابة تمنع من قراءة القرآن عند الأئمة الأربعة، خلافاً للظاهرية في ذلك سؤالي هو: من هم الظاهرية، وعلى ماذا يستندون في إجازتهم لقراءة القرآن للجنب؟ وشكراً لكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن المذهب الظاهري مذهب يقوم على أن المصدر الفقهي هو ظواهر النصوص من الكتاب والسنة، فلا رأي في حكم من أحكام الشرع، وعلى هذا فقد نفوا الرأي بكافة أنواعه، فلم يأخذوا بالقياس، ولا بالاستحسان، ولا الذرائع، ولا المصالح المرسلة، ولا بالإجماع الواقع بعد الصحابة، ولا بأي وجه آخر من وجوه الرأي، بل يأخذون بالنصوص وحدها، وإذا لم يكن نص أخذوا بحكم الاستصحاب الذي هو الإباحة الأصلية الثابتة بقوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً {البقرة:29}، فهذا المذهب نفى القياس، بدعوى أنه يفتح باب الاجتهاد على مصراعيه حتى جرأ العامة على استنباط الأحكام.
وقد قام بإنشاء هذا المذهب وبيان أحكامه وتوضيح أدلته عالمان، أحدهما: داود الأصفهاني ويعد منشئ المذهب، لأنه أول من تكلم به، وثانيهما: ابن حزم الأندلسي، وقد كان له فضل بيان المذهب وبسطه.
وأما مستند الظاهرية في قولهم بجواز قراءة الجنب القرآن فهو استصحاب حكم البراءة الأصلية، إضافة إلى ما ثبت عن بعض السلف من جوازها، فقد قال البخاري في الصحيح: ولم ير ابن عباس بالقراءة للجنب بأسا.
وقد ذكر ابن حزم في المحلى أن ربيعة قال: لا بأس أن يقرأ الجنب القرآن.
وذكر أن سعيد بن المسيب سئل عن الجنب هل يقرأ القرآن؟ فقال: وكيف لا يقرؤه وهو في جوفه، وأنه كان ابن عباس يقرأ البقرة وهو جنب، وقد ضعف ابن حزم حجج القائلين بالمنع فقال: فأما من منع الجنب من قراءة شيء من القرآن فاحتجوا بما رواه عبد الله بن سلمة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يحجزه عن القرآن شيء ليس الجنابة، وهذا لا حجة لهم فيه، لأنه ليس فيه نهي عن أن يقرأ الجنب القرآن، وإنما هو فعل منه عليه السلام لا يلزم، ولا بين عليه السلام أنه إنما يمتنع من قراءة القرآن من أجل الجنابة.
وقد يتفق له عليه السلام ترك القراءة في تلك الحال ليس من أجل الجنابة، وهو عليه السلام لم يصم قط شهراً كاملاً غير رمضان، ولم يزد قط على قيامه على ثلاث عشرة ركعة، ولا أكل قط في خوان، ولا أكل متكئا، أفيحرم أن يصام شهر كامل غير رمضان أو أن يتهجد المرء بأكثر من ثلاث عشرة ركعة، أو أن يأكل على خوان، أو أن يأكل متكئا؟ هذا لا يقولونه، ومثل هذا كثير جداً.
وقد جاءت آثار في نهي الجنب، ومن ليس على طهر عن أن يقرأ شيئاً من القرآن، ولا يصح منها شيء، وقد بينا ضعف أسانيدها في غير موضع.
وراجع كتاب المدخل للفقه الإسلامي للدكتور/ حسن محمد سفر في تعريف المذهب، وراجع المجموع للنووي، والمغني لابن قدامة، ونيل الأوطار للشوكاني في بيان حجج الجمهور.
والله أعلم.