عنوان الفتوى : الفوائد العائدة من الودائع الربوية
بداية أرجو أن يتسع صدركم لي لأن سؤالي يتضمن تفاصيل كثيرة حيث إن أحد الأشخاص (وهو صاحب الاستفسار) وعمره الآن ثلاثون عاما من أسرة مسلمة الأب والأم وهما يعملان والحمد لله في أعمال حلال ويتقاضون عن ذلك مرتباتهم ونحسبها إن شاء الله حلالا وقد عملا لفترة 10 سنوات تقريبا في إحدى الدول العربية ولكن المشكلة هي أن هذين الوالدين كانا يضعا مدخراتهما فى بنوك تجارية فى صورة ودائع مختلفة الآجال وشهادات استثمارية بأسماء أبنائهما وذلك رغبة منهم في أن يشب الأبناء ولهم مدخرات تعينهم فى حياتهم وكان ذلك منذ سنوات كثيرة تزيد الآن عن العشرين عاما وأثمر ذلك بالطبع عن زيادة أصول الأموال المودعة زيادة كبيرة على مر السنين. وبدأ الوالدان في منح ابنهما الأكبر (صاحب الاستفسار) مبلغ كل وديعة ينقضي أجلها ليساعداه في حياته فكانت البداية بمنحه قيمة وديعة كبيرة وهو طالب بالكلية لشراء شقة لزواجه ثم بعد تخرجه وخطبته لإحدى الفتيات منحه مبلغ وديعة ثانية لتكون نصيب مساهمته في تأسيس شقة الزوجية وتكاليف الزواج. وحتى بعد عمله في إحدى الشركات الخاصة وتقاضيه راتبا محترما وزواجه وإنجابه لم تتوقف عطايا والدايه فمنحاه مبلغ وديعة ثالثة وقدره مائة ألف جنيه تقريبا وضعها هو في إحدى البنوك الإسلامية كوديعة ثم سحب منها مبلغا لشراء سيارة حديثة حيث إنه كان يستخدم سيارة قديمة كانت خاصة بوالده في بداية حياته وتبقى له مبلغ يقارب الأربعين ألف جنيه تركها في البنك الإسلامي لحين الحاجة إليها. وكان في هذه الفترة قد بدأ إلى جانب عمله في إحدى الشركات الخاصة التعامل مع إحدى شركات برامج الكمبيوتر الأجنبية عبر شبكة الإنترنت وعمل بعض البرامج وبيعها لهذه الشركة الأجنبية وكان العائد منها بالدولارات وكان يحول إليه على حساب جار في إحدى البنوك التجارية أي لا يتقاضى عنه أي فوائد وكان في عمله لهذه البرامج يحتاج إلى الاستعانة ببعض زملائه في المهنة لقاء مبالغ مالية متفق عليها بينهم وكان يدفعها لهم من الأربعين ألف جنيه التى تبقت من قيمة الوديعة التى تركها هو في البنك الإسلامي كما أنه اشترى بجزء منها جهاز كمبيوتر محمول لسهولة التنقل به عند لقاء زملائه والعمل سويا في أي مكان وكان يترك الدولارات التى تحول إليه كعائد في الحساب الجاري في البنك التجاري. واستمر الحال على هذا الوضع علما بأنه كان يؤدي الزكاة عن أمواله وبفضل الله كان دائما حريصا على التصدق من أي مبلغ مالي يكسبه. ثم منحه والداه قيمة وديعة رابعة وخامسة وظل يدفع منهما لزملائه ولشراء بعض المستلزمات والتسهيلات في عمله هذا ثم تبقى منهم مبلغ أبقاه معه في منزله. علما بأن العائد الدولاري الذي كان يكسبه كان كافيا لتغطية كافة النفقات دون الحاجة إلى السحب من أموال الودائع التى كان والداه يمنحانه إياها إلا أنه كان يفعل ذلك رغبة منه في الاحتفاظ بالدولارات كما هي وعدم تحويلها لقيمتها العالية طبعا وأسعارها التي كانت في ازدياد في مقابل العملة المحلية. والمشكلة الرئيسية الآن أنه استقال من عمله فى الشركة الخاصة وبدأ في إجراءات تأسيس شركة خاصة به وبدأ ينفق على تأسيس الشركة من أخر مبلغ مالي تبقى له من قيمة الودائع الممنوحة له من قبل والديه والذي كان يحتفظ به في منزله.أي أنه الآن في مرحلة جديدة من حياته وهو يعتبرها البداية الحقيقية لعمل تجاري يمتلكه ويديره ويعتبره المصدر الوحيد لدخله من الآن فصاعدا، لذلك فهو يريد أن يعرف مدى صحة ما فعله بداية من أخذه قيمة الودائع البنكية من أهله على سبيل الهبة واعتماده عليها في زواجه وشراء سيارته إلى اعتماده عليها في دفع رواتب ومستلزمات عمله للبرامج لحساب الشركة الأجنبية وعدم اعتماده على العائد الدولاري وبالطبع فإن أهم تساؤل يتعلق بما هو مقدم عليه من اعتماده في نشأة شركته الجديدة على ما تبقى معه من قيمة هذه الودائع وهل سيكون عائدها إن شاء الله رزقا حلالا له ولزوجته ولأولاده أم لا؟ كما أنه يريد أن يعرف هل حسابه الدولاري الذي اكتسبه من جهده في عمل البرامج للشركة الأجنبية حلالا وما هو حكم دفعه الرواتب لزملائه وشراء مستلزمات عمل تلك البرامج من أموال الودائع وليس من أرباحه من الدولارات؟. آسفة مرة أخرى على الإطالة ولكنى أتمنى أن يتسع صدركم للإجابة التفصيلية عن جميع التساؤلات التي يحملها استفساري لأن هذه الإجابة قد تؤثر جذريا على حياة صاحب الاستفسار لأنه يريد أن يتحرى الحلال في رزقه ليبارك الله له فيه وفي أولاده.وجزاكم الله عنا كل الخير.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فلا شك أن الفوائد العائدة من الودائع التي في البنوك الربوية حرام شرعاً لأنها ربا، فالمودع يقرض البنك مبلغ الوديعة ليأخذها بفائدة معلومة، وهذا هو الربا بعينه الذي نزل القرآن بتحريمه، فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ {البقرة:278}. وعليه فالواجب على والدك سحب جميع الودائع التي وضعها في هذه البنوك سواء باسمه أو باسم أبنائه، وليس له من الودائع إلا رأس ماله فقط، لقوله تعالى: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ {البقرة:279}. فما جاءه من فوائد وجب صرفه في مصالح المسلمين العامة، ولا يحل لك كذلك تملك فوائد هذه الودائع على أي وجه جاءتك، وعليك التخلص منها في وجوه الخير ومصالح المسلمين، وعلى رأسها الفقراء والمساكين، فإذا تم التخلص من الفوائد طاب لك أصل الوديعة، وجاز أن تستثمره في التجارة ونحوها. وليعلم أن هذه الفوائد متعلقة بالذمة، فإذا تخلص منها أو بقدرها من مال آخر برئت ذمة آخذها، ومعنى ذلك أنه لا يلزمك بيع ما اشتريت بالفوائد إذا أخرجت قدرها من مال آخر، وأما بخصوص المال الذي اكتسبته من تجارتك في الكمبيوتر وبرامجه فمال حلال إذا خلت البرامح من ما حرم الشرع.