عنوان الفتوى : السر في جعل عقاب الزانيين الرجم
أنا عندي سؤال حيرني كثيرا أرجو أن تساعدوني ... ألم يقل الرسول صلي الله عليه وسلم: إذا قتلتم فأحسنوا القتلة؟... وحتى عن الذبح أيضا قال هكذا ولكن ألا ترون أن حد الرجم على الزاني فيه عذاب وموت تدريجي ويناقض هذا القول النبوي؟ ولماذا لم يأت حكم الرجم في القرآن؟ أجيبوني أرجوكم فأنا تابع للقرآن والسنة النبوية وهنا في بلدي ظهرت فتنة في هذا الأمر...
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فرجم الزانيين المحصنين ثابت بالسنة العملية التي جاءت تطبيقا للنص القرآني الموجب لذلك، وقد ذكرنا في فتوى سابقة آية الرجم التي نسخت تلاوتها وبقي حكمها، فلتراجع ذلك في الفتاوى التالية: 49234، 18130، 13919، 18663، 12905.
وقد قرر الشرع الحنيف هذا الحكم الحاسم لسد ذرائع الفساد المترتبة على هذه الجريمة الشنيعة، كاختلاط الأنساب وانتشار الأوبئة والأمراض، مع انقطاع عذر الزاني بعد الإحصان، فقد أباح الله له زوجته وحرم عليه غيرها إلا بالزواج، ومد له ذلك إلى أربع نسوة، مما يكون سببا في حفظه وصيانته عن الوقوع في الحرام، وأباح للزوجة كذلك طلب الفراق عند التضرر بغيبة الزوج أو إعساره بالنفقات، فكان من العدل بعد هذا التيسير وغلق أبواب الشهوات أن تنقطع المعاذير الداعية إلى تخفيف العقوبة، ولم يبق إلا أن يؤخذ الزاني بعقوبة الاستئصال بالرجم حتى الموت.
وقد بين ابن القيم رحمه الله السر في جعل عقاب الزانيين الرجم الذي فيه إيلام البدن وإزهاق الروح معا، فقال: وأما الزاني، فإنه يزني بجميع بدنه، والتلذذ بقضاء شهوته يعم البدن، والغالب من فعله وقوعه برضى المزني بها، فهو غير خائف ما يخافه السارق من الطلب، فعوقب بما يعم بدنه من الجلد مرة، والقتل بالحجارة مرة، ولما كان الزنا من أمهات الجرائم وكبائر المعاصي لما فيه من اختلاط الأنساب الذي يبطل معه التعارف والتناصر على إحياء الدين وفي هذا إهلاك الحرث والنسل، فشاكل في معانيه أو في أكثرها القتل الذي فيه هلاك ذلك، فزجر عنه بالقصاص ليرتدع من مثل فعله من يهم به، فيعود ذلك بعمارة الدنيا وصلاح العالم الموصل إلى إقامة العبادات الموصلة إلى نعيم الآخرة. اهـ.
ولا شك أن العقل الصريح والنص الصحيح يتوافقان على وجوب العقوبة للزانيين بقدر يتناسب مع ما ارتكباه من خيانة، وكما قالوا: خانت فهانت.
وإذا تركنا لكل معترض فرصة الاعتراض على أحكام الله تعالى لما طبقت الحدود، ولا أقيمت الشرائع، إذ لا بد لردع الجناة والآثمين من عقاب فيه إيلام يتناسب مع نوع الجرم وصفته، وقد اعترض بعض الزنادقة والملاحدة على حد السرقة فقال:
يد بخمس مئين عسجد وديت * ما بالها قطعت في ربع دينار
تناقض ما لنا إلا السكوت له * ونستجير بمولانا من النار
فرد عليه بعض أهل الإسلام بقوله:
يد بخمس مئين عسجد وديت * لكنها قطعت في ربع دينار
عز الأمانة أغلاها وأرخصها * ذل الخيانة فافهم حكمة الباري
والله أعلم.