عنوان الفتوى : هل الزيادة على إحدى عشرة ركعة في التراويح بدعة؟
يقول الشيخ الألباني إن صلاة التراويح لا يجوز أن تتجاوز 10 ركعات لحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي 10 ركعات في رمضان وفي غيره، كما أنه ينفي أن عمر أمر أبي بالصلاة بالناس 20 ركعة، فما هو قولكم وما هي بقية أدلته، وما هي أدلة القائلين بالعشرين ركعة، وهل تدخل اعتمادا على قوله السنة البعدية للعشاء في الركعات العشر، أرجو إجابة علمية دقيقة مفصلة تتضمن كل الأدلة للفريقين والإجابة عليها؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف العلماء في عدد ركعات صلاة التراويح على أقوال:
قال ابن قدامة: والمختار عند أبي عبد الله عشرون ركعة، وبهذا قال الثوري وأبو حنيفة والشافعي، وقال مالك ستة وثلاثون. انتهى من المغني.
وقال النووي في المجموع: ونقله عياض عن الجمهور أنها عشرون ركعة، قال العيني: وقيل إحدى عشرة ركعة وهو اختيار مالك لنفسه واختيار أبي بكر بن العربي.
وقال الترمذي: أكثر ما قيل أنه يصلى إحدى وأربعين ركعة بركعة الوتر. انتهى.
واحتج الجمهور بأدلة منها حديث ابن عمر في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة. رواه الجماعة، وزاد أحمد في رواية: صلاة الليل مثنى مثنى تسلم في كل ركعتين... ولمسلم: قيل لابن عمر ما (مثنى مثنى) قال: يسلم في كل ركعتين.
ومنها حديث السائب بن يزيد قال: كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب في شهر رمضان بعشرين ركعة وكانوا يقرأون بالمئين وكانوا يتوكؤون على عصيهم في عهد عثمان من شدة القيام. وإسناده صحيح كما قال النووي في المجموع ورواه مالك في الموطأ.
ومنها حديث ربيعة بن كعب أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم مرافقته في الجنة فقال صلى الله عليه وسلم: فأعني على نفسك بكثرة السجود فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة. رواه مسلم.
وذهب الألباني إلى وجوب الاقتصار على إحدى عشرة ركعة وأن الزيادة عليها بدعة واحتج أولاً: بحديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة. متفق عليه.
وثانياً: حديث زيد بن خالد الجهني قال: قلت لأرمقن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين خفيفتين ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين ثم صلى ركعتين هما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين هما دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين هما دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين هما دون اللتين قبلهما ثم أوتر فذلك ثلاث عشرة ركعة. رواه مالك وعنه مسلم.
ثالثاً: حديث جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في شهر رمضان ثمان ركعات وأوتر. رواه ابن نصر والطبراني وحسنه الألباني.
رابعاً: حديث السائب بن زيد: أن عمر أمر أبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة. رواه مالك في الموطأ وصححه الألباني، واحتج بقياس صلاة التراويح على السنن الرواتب وغيرها كصلاة الاستسقاء.
خامساً: أن حديث عائشة مخصص أو مقيد لحديث ابن عمر وربيعة بن كعب والجواب على هذه الأدلة:
أولاً: قول الألباني بوجوب الإحدى عشرة ركعة وتبديع المخالف لم يسبقه إليه أحد وليس له فيه سلف كما تبين من مذاهب العلماء التي سبق ذكرها.
ثانياً: حديث عائشة حكاية فعل وغايتها استحباب هذا العدد وهو لا ينافي مشروعية غيره، وأيضاً ثبت عند البخاري من حديث ابن عباس: أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة يعني بالليل. وهو زيادة على الإحدى عشرة ركعة.
ثالثاً: حديث زيد بن خالد ليس فيه حجة للألباني بل هو حجة عليه لأن فيه الزيادة على الإحدى عشرة ركعة، وهو ما دفع الألباني إلى تأويل الزيادة بأنها سنة العشاء البعدية، وكذلك قال في حديث ابن عباس وهو تكلف شديد.
رابعاً: قياسه صلاة التراويح على السنن الرواتب وصلاة الكسوف فهو قياس مع الفارق لأن هذه السنن وردت مقيدة بعدد معين وهو ما يمنع الزيادة عليها بخلاف صلاة التراويح فهي من قيام الليل الذي قال عنه الشارع "مثنى مثنى"، وما ورد من عدد صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يعارض ولا يمنع من الزيادة.
قال ابن تيمية: قيام رمضان لم يؤقت النبي فيه عدداً معيناً بل كان هو لا يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة، لكن كان يطيل الركعات فلما جمعهم عمر على أبي بن كعب كان يصلي بهم عشرين ركعة ثم يوتر بثلاث وكان يخفف القراءة بقدر ما زاد على الركعات لأن ذلك أخف على المأمومين من تطويل الركعة الواحدة، ثم كان طائفة من السلف يقومون بأربعين ركعة ويوترون بثلاث وآخرون قاموا بست وثلاثين وأوتروا بثلاث وهذا كله سائغ فكيفما قام في رمضان من هذه الوجوه فقد أحسن، والأفضل يختلف باختلاف أحوال المصلين..... ومن ظن أن قيام رمضان فيه عدد مؤقت عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يزاد فيه ولا ينقص منه فقد أخطأ... انتهى مجموع الفتاوى.
خامساً: تضعيف الألباني لرواية ابن خصيفة بالشذوذ لمخالفتها لرواية الإحدى عشرة ركعة غير جيد فهي لا تعارضها والجمع بينهما ممكن باختلاف الأحوال، قال الحافظ في الفتح: والجمع بين هذه الروايات ممكن باختلاف الأحوال ويحتمل أن ذلك الاختلاف بحسب تطويل القراءة وتخفيفها فحيث تطول القراءة تقلل الركعات وبالعكس وبه جزم الداوودي وغيره قال: والاختلاف فيما زاد على العشرين راجع إلى الاختلاف في الوتر، فكأنه تارة يوتر بواحدة وتارة بثلاث. انتهى.
سادساً: جعل حديث عائشة مخصصاً لحديث ابن عمر وحديث ربيعة بن كعب غير صحيح، لأن العمل بالعام والخاص يكون عند التعارض بين الأدلة وليس هناك تعارض بين أحاديث الباب فالجمع يسير بمثل ما جمع به الحافظ، وحديث عائشة فرد من أفراد حديث ابن عمر، وموافق العام لا يخصص كما هو مقرر في الأصول.
وأرجح الأقوال في عدد ركعاتها هو إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة لحديث عائشة وحديث ابن عباس السابقين وهو ما اختاره مالك لنفسه كما سبق، وأما الزيادة عليها فجائزة للأدلة التي احتج بها الجمهور.
والله أعلم.