عنوان الفتوى : هدي النبي في النوم واليقظة والعشر الأواخر من رمضان
هل كان النبي عليه الصلاة والسلام، يسهر بالتحديد في رمضان؟
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن من هديه السهر أول الليل، بل ينام بعد العشاء، ثم يستيقظ ويسهر آخر الليل في العبادة.
ويدل على ذلك حديث عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: كَانَ يَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، وَيُحْيِي آخِرَهُ ... رواه مسلم وأحمد وغيرهما.
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في زاد المعاد: مَنْ تَدَبَّرَ نَوْمَهُ وَيَقَظَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَدَهُ أَعْدَلَ نَوْمٍ، وَأَنْفَعَهُ لِلْبَدَنِ وَالْأَعْضَاءِ وَالْقُوَى، فَإِنَّهُ كَانَ يَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، وَيَسْتَيْقِظُ فِي أَوَّلِ النِّصْفِ الثَّانِي، فَيَقُومُ وَيَسْتَاكُ، وَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، فَيَأْخُذُ الْبَدَنُ وَالْأَعْضَاءُ، وَالْقُوَى حَظَّهَا مِنَ النَّوْمِ وَالرَّاحَةِ، وَحَظَّهَا مِنَ الرِّيَاضَةِ مَعَ وُفُورِ الْأَجْرِ، وَهَذَا غَايَةُ صَلَاحِ الْقَلْبِ وَالْبَدَنِ، وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. انتهى.
وكان هديه في العشر الأواخر من رمضان، أنه يسهر معظم الليل في العبادة أيضا، كما يدل عليه حديث عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ- أَيْ الْعَشْرُ الْأَخِيرُ مِنْ رَمَضَانَ- شَدَّ مِئْزَرَهُ, وَأَحْيَا لَيْلَهُ, وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ومعنى: "وَأَحْيَا لَيْلَهُ" أي أحيا معظمه أو أكثره، ويحتمل أنه استغرق الليل كله بالعبادة.
قال بدر الدين العيني في شرح البخاري: وَالظَّاهِر -وَالله أعلم- مُعظم اللَّيْل، بِدَلِيل قَوْلهَا فِي الحَدِيث الصَّحِيح: (مَا عَلمته قَامَ لَيْلَة حَتَّى الصَّباح). وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَقَوْلها: (أَحْيَا اللَّيْل) أَي: استغرقه بالسهر فِي الصَّلَاة وَغَيرهَا .. اهـ.
ومما يدل على إحياء الليل كله، ما رواه أحمد في مسنده عن عائشة قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلط العشرين بصلاة ونوم، فإذا كان العشر شمر وشد المئزر وشمر. إلا أن الحديث ضعف إسناده الشيخ شعيب الأرناؤوط في تحقيقه للمسند.
والله تعالى أعلم.