عنوان الفتوى : إرشادات للتعامل مع الزوجة الناشر
أنا متزوج وأعاني من ديون كبيرة زوجتي قدمت لي مساعدة مالية إلا أن الديون ما زالت متراكمة ولم تحل المشكلة أصبحت تطالبني بالمبلغ الذي ساعدتني به على اعتبار أنه دين علي. سددت لها دفعة منه. الحمد لله إنني أصرف على المنزل وعلى الأسرة لكن لأنني موظف لا أتمكن من تسديد ديوني دفعة واحدة المشكلة تطورت بأنها أنهت من جانبها العلاقة العاطفية ولم تتم معاشرة منذ ما يقارب السنة حديثا تطور الأمر إلى طلبها بالانفصال أنا أحبها كثيراً وأرفض أن يتم الطلاق للحفاظ على أسرتي أرجو إرشادي ماذا أفعل؟ هل يتم الطلاق أم الهجرة ام الاستمرار بالعلاقة الزوجية؟ وما حكم الشرع في رفضها للمعاشرة؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فعليك باللجوء إلى الله تعالى أولاً لقضاء ديونك، فإنه سبحانه وتعالى يجيب من دعاه، ولا يخيب من لجأ إليه ورجاه، وإليك هذا الحديث العظيم المشتمل على دعاء علمه النبي صلى الله عليه وسلم أحد الصحابة، وقد لزمته ديون أهمته وأقضت مضجعه، فعن أبي سعيد الخدري قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ذات يوم، فإذا برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال: يا أبا أمامة مالي أراك جالساً في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، فقال: أفلا أعلمك كلاماً إذا قلته أذهب الله همك وقضى عنك دينك؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال. قال: فقلت ذلك، فأذهب الله تعالى همي وغمي وقضى ديني. رواه أبو داود.
وفي المسند وغيره: أن رجلاً أتى علياً رضي الله تعالى عنه فقال: يا أمير المؤمنين، إني عجزت عن مكاتبتي فأعني، فقال علي رضي الله عنه: ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان عليك مثل جبل صير دنانير لأداه الله تعالى عنك. قلت: بلى. قال: قل: اللهم أكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك.
ونذكر الزوجة بقول النبي صلى الله عليه وسلم: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. أخرجه مسلم وغيره.
وأولى الناس بهذا المعروف هو الزوج الذي يربطك به رابطة الزوجية تلك الرابطة التي جعلها الله سبباً للإفضاء والاتصال والاطلاع من كل من الزوجين للآخر، قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً {الروم: 21}.
وإذا كان زوجك معسراً وجب عليه إنظاره حتى ييسر الله عليه، والله تعالى يقول: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {البقرة: 280}.
وعليك أيها الزوج متى توفر لك المبلغ أن تسدد لزوجتك ذلك القرض، ولا تماطلها لأن مطل الغني ظلم، كما ثبت في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم.
ونقول للزوجة أيضاً: إنك بامتناعك عن معاشرة زوجك ترتكبين إثما كبيراً لمخالفتك لأمر الله ورسوله، فقد حث صلى الله عليه وسلم المرأة على طاعة زوجها ورغبها في ذلك أعظم ترغيب، وذلك في أحاديث كثيرة صحيحة، منها: ما في الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها. صححه السيوطي.
ومنها: ما في المسند وغيره من حديث عبد الله بن أبي أوفى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله تعالى لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، والذي نفس محمد بيده؛ لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها كله حتى لو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه. قال الشوكاني إسناده صالح، ومنها: ما في المسند أيضاً من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح. ورواه أيضاً البخاري ومسلم. إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة في هذا الباب.
وأشد من ذلك طلبك للطلاق من زوجك لهذا السبب فقط، فالمرأة التي تطلب من زوجها الطلاق من غير مسوغ تكون آثمة بذلك متعرضة لسخط الله ومقته، فقد روى أبو داود والترمذي وابن حبان عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة سألت زوجها طلاقها من غير بأس، فحرام عليها رائحة الجنة.
وروى ابن ماجه في سننه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تسأل المرأة زوجها طلاقها من غير كنهه فتجد ريح الجنة.
وننصحك أيها السائل الكريم بالإبقاء على زوجتك، واتباع وسائل الإصلاح لاستقرار حياتكما معا، فتبدأ معها بالوعظ والتذكير بحق الزوج، وأن الله أوجب على المرأة أن تحسن لزوجها، وأن تطيعه في غير معصية، وتتدرج معها في مراحل الإصلاح المذكورة في قوله تعالى: وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا {النساء: 34-35}.
فابدأ معها بالوعظ، ثم هجرها إن لم يفد معها الوعظ، ثم ضربها ضربا غير مبرح إن لم تنزجر بالهجر، فإن لم تنفع معها الطرق السابقة في إصلاحها فيجري التحكيم بإرسال حكم من أهلك وحكم من أهلها، ليتروى كل منكما، ويجد الفرصة للصلح والرجوع عن رأيه، فإن نفدت وسائل الإصلاح والجمع وتحقق لدى الحكمين أن التفريق أجدى فالفرقة في هذه الحالة أفضل.
والله أعلم.