عنوان الفتوى : احرص على بر والدك بالمعروف

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

لقد أساء لي والدي إساءات عديدة وفي مرات متتالية الكثير الكثير بعد زواجي وخاصة إلى زوجتي وكان آخرها عدم تعزيتها بوفاة والدها وهو أغلى ما كان لديها وتلاها عدم مباركتهم لها ولي بمولودنا الأول والجديد وأجبر والدي أمي وجميع إخوتي باتباع موقفه. كل ذلك لأنني لا أطيعه فيما يطلب مني ولا أنصاع لأوامره حيث يريدني أن أترك عملي وأنا مرتاح فيه فقط لأني أعمل مع نسيبي وأن أبحث لنفسي عن أي عمل آخر وأن أسافر الى بلد آخر وأترك زوجتي وبنتي هنا وأسافر إلى فلسطين لأن أقاربي هناك وأبحث لنفسي عن عمل جديد وكان آخر شروطه أن أترك زوجتي أو حتى أطلقها إذا لزم الأمر وهو سيزوجني غيرها ولم يترك مناسبة إلا وكان سباقا لشتمها بأسوأ الشتائم أمامي ولا يحق لي أن أعترض وشتم والدتها أمامها العديد من المرات وعندما رفضت شرطه وحاولت أن أقنعه بأنني أبحث عن عمل آخر مسايرة مني له رفض وقال اترك عملك فورا والله يرزق . سافر ودبر حالك . كل ما سبق طبعا سببه عداء قديم و غيرة بينه وبين والدها الذي توفي نسيبه عندما وافق على زواجي منها و عاد ليظهر كل شيء فجأة ، ما هو حكمي يمنعني من الذهاب الى البيت لأرى أمي المريضة ، لأرى أخواتي وأخي الذين فرض عليهم عدم مخالطتي ماذا أفعل لم أترك واسطة خير إلا وأدخلتها ولا فائدة ولا زلت أحاول حتى هذا اليوم وقد مضى سنة تقريبا وهو لا يتنازل عن موقفه، وصلني خبر أن أمي مريضة اليوم ماذا أفعل وما حكم زوجتي فهي لا تستطيع الذهاب اليهم بعد كل ما فعلوه معها.

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن الواجب على المسلمين أن يتعاطوا كل الأسباب التي تقوي رابطة الأخوة الإيمانية بينهم وتنميتها وأن يتجنبوا كل ما من شأنه أن يضعفها أو يقطعها، حتى يتحقق فيهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " الحديث رواه مسلم.
فعلى المسلم أن يقوم بحق أخيه المسلم وأن يتجنب ظلمه والإساءة إليه امتثالا لأمر الشارع الرحيم بذلك فإنه صلى الله عليه وسلم نهى عن التقاطع والتدابر وكل وسيلة تؤدي إلى ذلك، وأمر بصلة الرحم والتعاون وكل ما من شأنه أن يلم شمل المسلمين ويجمع كلمتهم، ولا شك أن هذا يتأكد أولاً وقبل شيء في الآباء وأبنائهم وذوي القرابات بعضهم مع بعض والجيران فيما بينهم.
ولهذا فإننا نرى أن الواجب على هذا الوالد المسؤول عنه أن يعامل ابنه وزوجته معاملة حسنة، وأن يتجنب الإساءة إليهما بأي وجه من وجوه الإساءة امتثالاً لأمر الشارع وتجنباً للفرقة والتقاطع والتدابر. ومع ذلك فإن ما صدر من والدك لا يسقط وجوب بره ولا يبرر مخالفة أوامره بالمعروف. فالوالد يجب بره حتى ولو كان كافراً، فطاعة الوالدين من أوجب الواجبات التي أمر الله بها، قال تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً) [الإسراء: 23] ولكن هذه الطاعة مقيدة بالمعروف لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الطاعة في المعروف" جزء من حديث متفق عليه.
وما دام هذا الوالد يأمر بمباح وهو تركك العمل مع من لا يحب أن تعمل معه والبحث عن عمل آخر فعليك أن تستجيب لأوامره حيث لا يترتب على ذلك ضرر كبير عليك ولا على أهلك، لا سيما وأن عدم انصياعك لأمره في هذا الجانب هو سبب توتر العلاقة بينكما، فقد قال العلماء: إن طاعة الوالدين في الأمور المباحة واجبة، وأحرى إذا أدى الامتناع منها إلى ما ذكرت من التقاطع والتدابر وقطع الرحم المنهي عنه كما علمت.
ولا شك أن الاستجابة لأمره المتقدم حتى ولو أدى ذلك إلى تركك عملاً كنت مرتاحاً فيه، والسفر عن زوجتك وابنتك سفراً عادياً لا يلحقهما ضرر به أسهل من أمر غير واجب يؤدي إلى قطعك من أبيك وأمك وسائر إخوانك. وأما ما هو حكمك عندما يمنعك وزوجتك من زيارة أمك المريضة أو الصحيحة أو إخوانك فهنا لا تجب عليك طاعته، بل عليك أن تزور أمك المريضة وإخوانك إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، كما أن طاعته في أمرك أن تطلق زوجتك، لسبب كونها بنت فلان غير واجبة عليك. ونرى أن تأخذ إجازة من عملك الذي أنت فيه، لتجرب إن كان هذا يكفي إزالة ما بنفسه. فإن أصر على منعك زيارة والدتك وإخوانك وأصر على أن تطلق زوجتك، فأطعه في ترك العمل، ولست آثماً في مخالفة أمره فيما سوى ذلك، وننصحك بالصبر والحكمة في معالجة الأمر فإن الفرج مع الكرب. والله المستعان.