عنوان الفتوى : غرتهم نعمتهم، فلا تغتروا بالله
جزاكم الله كل الخير عما تقومون به من خدمة الناس .سؤالي يقول:كثير من أصدقائي عندما يوفقون في يوم عملهم سواء أكان بإنجاز أكبر عمل أو تحصيل مبلغ من المال يكونون بهذا سعداء فيتم طرح سؤالي عليهم بقولي: إنك -على سبيل المثال- صليت الفجر في جماعة اليوم؟ ولكن للأسف أسمع إجابة غير متوقعة ألا وهي أنني غير طاهر أي جنب. نعم كثير من الناس من يهوى أن يكون في مثل هذا الشيء بحجة أنه سيوفق في هذا اليوم ولا بأس من ذلك لأنني سأقضي كل صلواتي آخر النهار؟ فما حل هذه المشكلة وخصوصا أنها تزداد بين عنصر الشباب؟ وماهو السر في هذا التوفيق؟أفيدونا أفادكم الله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذه المشكلة ناتجة عن فساد في التصور عند هؤلاء الشباب - هداهم الله- وهي كباقي المشكلات تحتاج أولاً لتصحيح المفاهيم عن العقيدة الإسلامية، وصدق التوبة والأوبة إلى الله تعالى، والأخذ بأسباب النجاة، والالتزام بالصلوات في أوقاتها المخصوصة، فإن إخراج الصلاة عن وقتها كفر في مذهب أكثر السلف من الصحابة والتابعين، كما ذكره ابن تيمية.
فيجب عليك أن تنصحهم وترشدهم إلى بعض الدعاة ليصحح لهم المفاهيم الخاطئة، ولو استطعت أن تحضر لهم بعض الأشرطة والكتيبات التي تتحدث عن التوبة والتخويف من أن يموتوا على تلك الحال فافعل.
وإن لم يستجيبوا وجب عليك هجرهم حتى يعودوا إلى ربهم حفاظاً على قلبك، فالطبائع سراقة، وإظهاراً لشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أما سر توفيقهم مع معصية الله تعالى، فهو في الحقيقة استدراج من الله لهم، فقد صح عند أحمد في المسند عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج، ثم تلا (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ)[سورة الأنعام: 44].
وقال الله تعالى: مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [سورة هود: 15-16].
وقال تعالى: وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [سورة الزخرف: 33-35].
وقال تعالى: مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا [سورة الإسراء: 18].
قال الحسن البصري: من وسع عليه فلم ير أنه يمكر به فلا رأي له، ومن قُتر عليه فلم ير أنه ينظر له فلا رأي له، ثم تلا: فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ ....الآية. قال: مُكر بالقوم ورب الكعبة، أعطوا حاجتهم ثم أخذوا، وما أخذ الله قوماً إلا عند سكرتهم، غرتهم نعمتهم، فلا تغتروا بالله، فإنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون. اهـ
فلعلك أدركت بعد هذا البيان الفارق بين التوفيق والمكر.
والله أعلم.