عنوان الفتوى : مذاهب الأئمة في استلحاق غير الأب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن دعوى هذه المرأة وما عضدتها به من شهادة الرجل المذكور على نحو ما ذكر في السؤال لا يثبت زواجها بذلك الرجل الميت المدعى عليه، ولا لحوق أبنائها به، إذ من المعروف أن الزوجية لا تثبت إلا بشاهدي عدل أو بفشو وسماع منتشر أو إقرار الزوجين الطارئين، وكذلك ثبوت النسب يحتاج إلى شاهدي عدل أو استلحاق من أب مع شروط معروفة، وهذا كله لم يتوفر منه شيء في هذه الحالة.
لكن إذا رأى أهل ذلك الرجل المدعى عليه أن المرأة صادقة في دعواها وأرادوا استلحاق الأولاد فلهم ذلك على ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة في قول عندهم بشروط مفصلة في كتبهم من أهمها: أن يكون الملحَق به ذلك النسب ميتاً، ومنها: أن تكون نسبة الأولاد له ممكنة يقرها الشرع ولا يكذبها الحس أو العادة، ومنها: أن يكون المقر بإلحاق النسب بغيره وارثا حائزاً لتركة الميت الملحق به، فلو أنكر أحد الورثة الحائزين نسب المستلحق بطل الاستلحاق: فإذا توافرت هذه الشروط صح الاستلحاق وثبت النسب وترتبت عليه الآثار التي تترتب على النسب الصحيح من توارث وغيره. قال زكريا الأنصاري وهو شافعي: (وإن ألحقه) أي: النسب بغيره ممن يتعدى النسب إليه (كهذا أخي أو عمي شرط) فيه ( مع ما مر كون الملحق به رجلاً) من زيادتي كالأب والجد بخلاف المرأة، لأن استلحاقها لا يقبل كما سيأتي. فبالأولى استلحاق وارثها وكونه (ميتا) بخلاف الحي ولو مجنوناً لاستحالة ثبوت نسب الأصل مع وجوده بإقرار غيره (وإن نفاه) الميت، فيجوز إلحاقه به بعد نفيه له، كما لو استلحقه هو بعد أن نفاه بلعان أو غيره (وكون المقر لا ولاء عليه) هذا من زيادتي، فلو أقر من عليه ولاء بأب أو أخ لم يقبل لتضرر من له الولاء بذلك، بخلاف ما لو ألحق النسب بنفسه كأن أقر بابن، لأنه لا يمكن ثبوت نسبه منه لو لم يقر إلا ببينة، ونحو الأب والأخ يمكن ثبوت نسبه من جهة أبيه (وكونه وارثا) ولو عاماً، بخلاف غيره كقاتل ورقيق (حائزا) لتركة الملحق به واحدا كان أو أكثر، كابنين أقرا بثالث فيثبت نسبه ويرث منهما ويرثان منه.
وقال البهوتي في كشاف القناع وهو حنبلي ما معناه: وإن أقر بنسب الأخ أو العم بعد موت والد الأخ أو العم المقر به صح إقراره وثبت النسب إن كان هو حائز مال الميت. قال البهوتي: لحديث سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة، ولأن الوارث يقوم مقام مورثه في حقوقه وهذا منها....
أما عند الأحناف والمالكية فلا أثر لاستلحاق غير الأب من ناحية ثبوت النسب، وإنما يؤخذ المقر المستلحق لغيره في خاصة نفسه فيرثه المستلحق بالفتح بشرط أن لا يكون لهذا الأخير وارث، قال في بدائع الصنائع وهو حنفي: فإن الإقرار بنسب يحمله المقر على غيره لا يصح في حق ثبوت النسب أصلاً، ويصح في حق الميراث لكن بشرط أن لا يكون له وارث أصلاً ويكون ميراثه له لأن تصرف العاقل واجب التصحيح، فإن لم يمكن في حق ثبوت النسب لفقد شرط الصحة أمكن في حق الميراث، وإن كان ثمت وارث قريباً أو بعيداً لا يصح إقراره أصلاً ولا شيء له من الميراث انتهى.
وقال في مختصر الشيخ خليل وهو مالكي: وإن استلحق غير ولد لم يرثه إن كان وارث وإلا فخلاف، معناه أن المستلحق بكسر الحاء إذا استلحق غير ولد من أخ أو عم أو نحوهما فإن المستلحق بفتح الحاء لا يرث المقر، والحال أن للمقر وارثاً ثابت النسب حائز للمال من الأقارب والموالي...
هذا هو ملخص مذاهب الأئمة في استلحاق غير الأب.
والله أعلم.