عنوان الفتوى : أحكام من مات واكتسب أموالا من حرام وليس لدى ورثته مال لتسديد ديونه
ما حكم من مات منذ حوالي سنتين، وكان يحصل على مال اتضح أنه حرام ( كان المال لفئات معينة، وكان هو غير مستحق له، فكتم بعض المعلومات للحصول عليه)، ولكنه لم يعلم بحرمة هذا المال، فهل عليه شيء؟ وهل على ورثته شيء، حيث إنهم لم يعلموا بحرمته حينها، وعلموا منذ حوالي شهر بهذا الأمر؟ علما بأن هذا المال لم يعد موجودا، حيث تم صرفه أثناء حياة المتوفى (معظمه لتسديد ديون)، والمبلغ الذي تم صرفه له كبير، وليس لدى الورثة حاليا ما يماثله، وتركة الميت تحتوي على هاتف، وملابس، ومتعلقات شخصية فقط، أي ليس لديه مال، أو أملاك، أو ما شابه ذلك. وهل إذا كان هناك دين، فهل يلزم الورثة تسديده؟ وهل يجوز التصدق به على الفقراء، والمساكين؛ لصعوبة رده للهيئة التي أخذ منها المال، حيث إنه يمكن أن ينتج عنه ضرر كبير لهم، ولصعوبة إثبات عدم استحقاق المتوفى للمال؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمال المأخوذ بغير حق حرام على آخذه، ويجب عليه أن يرده إلى مالكه، فإن مات قبل ذلك، وجب على الورثة أن يرد مثله من تركته -إن كان ترك شيئا-، ولو أتى ذلك على كل ما تركه، وإذا كان المتوفى لم يترك شيئا، فإنه لا يلزم الورثة أن يسددوا تلك الأموال التي أخذها المتوفى بطريق حرام من الهيئة المذكورة من أموالهم الخاصة، ولا إثم عليهم فيما فعل، وإنما إثمه عليه؛ لما دل عليه الشرع من أن المرء لا يؤاخذ بجريرة غيره، ولو كان الجاني والده، وإنما يؤاخذ المرء بجريرة نفسه، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأحد الصحابة، وكان معه ابنه: إِنَّ ابْنَكَ هَذَا لَا يَجْنِي عَلَيْكَ، وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ. قَالَ: وَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وغيرهما.
وقال الله -سبحانه وتعالى-: وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ. {الأنعام:164}، قال ابن كثير في تفسيره: النُّفُوسَ إِنَّمَا تُجَازَى بِأَعْمَالِهَا، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ، وَأَنَّهُ لَا يُحْمَلُ مِنْ خَطِيئَةِ أَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ. وَهَذَا مِنْ عَدْلِهِ -تَعَالَى-، كَمَا قَالَ: {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [فَاطِرَ: 18]، وَقَوْلُهُ {فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا} [طه: 112] ، قَالَ عُلَمَاءُ التَّفْسِيرِ: فَلَا يُظْلَمُ بِأَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ سَيِّئَاتُ غَيْرِهِ، وَلَا يُهْضَمُ بِأَنْ يُنْقَصَ مِنْ حَسَنَاتِهِ. اهــ.
والميت إذا كان عليه دين، فإنه يسدد من التركة، وإذا لم توجد له تركة، فإنه لا يجب على الورثة أن يسددوا دينه من أموالهم، إلا أن يتبرعوا، قال ابن تيمية -رحمه الله- في منهاج السنة: فإن دين الميت لا يجب على الورثة قضاؤه، لكن يقضى من تركته. اهــ. وقال ابن قدامة -رحمه الله-: وإن ادعى على أبيه دينا لم تسمع الدعوى، حتى يدعي أن أباه مات، وترك في يده مالا؛ لأن الولد لا يلزمه قضاء دين والده ما لم يكن كذلك. اهــ.
والله أعلم.