عنوان الفتوى : هَجْر الابنِ أمَّه وصراخُه في وجهها بسبب سوء معاملتها له ولأخواته
أمي منذ صغري حتى الآن وهي في رعايتنا، تفعل ما عليها وزيادة، من مأكل، وملبس، ومشرب، ومصاريف، وهي لا تعمل، وأقصد أنها هي من تقسم المصاريف من مال أبي، ورغم رعايتها لنا الجيدة، إلا أنها منذ صغري وهي تضربني ضربا شديدا، قد يصل بي أحيانا إلى درجة الإغماء، والنزيف، وعدم القدرة على الحركة لفترة. وعلامات الضرب على كل أنحاء جسمي، وفي بعض الأوقات كانت تضربني عاريا بالعصي الغليظة بشدة، لعدة أسباب: إما لأنني أخطأت في المذاكرة، أو شقاوة الأطفال، رغم أنني كنت طفلا ومراهقا جيدا، ودائما أكون من الأوائل، وأنفذ طلباتها، وأقوم بأعمال المنزل من تنظيف وغيره.
وظل الضرب، والإهانات، والسب لي ولأخي حتى وصلتُ الثانوية، ومع كثرة ضغطها عليَّ أصبحت كل شهرين، أو ثلاثة أنفجر عليها، وأقوم بالصراخ في وجهها، بعد إهانات، وسب، وضرب متكرر كل شهرين، أو ثلاثة. ولي أختان.
والآن أنا في آخر عام من الكلية، وزادت بأنها لا تريدني أن أتزوج إلا عند السابعة والثلاثين، وأنني يجب أن أقوم بشراء بيت في منطقة راقية، وسيارة، وأجعلها تسافر إلى دول العالم، ثم أشتري لنفسي بيتا، ثم بعدها أتزوج.
وفي ظل الظروف الحالية، ولكي أفعل ذلك، وأكون نفسي من الصفر يحتاج وقتا كبيرا إن تزوجت باكرا، ثم حلفت أنها ستتبرأ مني، ولن تراني أبدا، وهذا يضغط علي، لأنني أريد أن أحقق أحلامها، ولكن كم من جهد، ووقت، وضغط، منها، وخوف من الفشل لتحقيق أحلامها، وتأخير الزواج المبالغ فيه، وهذا يشعرني بالضغط حتى قبل أن أتخرج، والخوف الكبير، خاصة أن والدي لم يصبح بنفس القدرة المادية، وهو يعمل بدولة أخرى.
والآن مع ضغطها علي في آخر عام في الكلية، وظلمها لي بأنها تلقي علي اللوم دائما في أشياء لا ذنب لي فيها، مع إهانات، وضرب، ثم ضربت أخواتي ضربا مبرحا، فانفجرت في وجهها منذ أسبوع، حيث رفعت يدها على أخواتي، فصرخت عليها بأنها لن تضرب أخواتي، وأنها سببت لنا الاشمئزاز.
ومنذ هذه اللحظة ونحن متخاصمان، ولا أستطيع أن أصالحها هذه المرة، فنفسي أصبحت مغلقة دونها تماما، رغم أنها حرمتنا من الأكل -أنا وأخي- أسبوعا، ونحن نتضور جوعا، إلا أنني لم أستطع أن أصالحها رغم أنني مع كل ذلك أحبها والله، ومستعد أن أؤخر زواجي إلى الأبد، وكل أحلامي من أجلها، ومن أجل أحلامها.
فهل بخصامي لها، وصراخي بعد كتمي لغضبي لفترة، وانفجاري، وعدم مصالحتي لها أعتبر ابنًا عاقًّا؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لك هجر أمِّك، أو الصراخ في وجهها؛ فذلك نوع من العقوق المحرم؛ وكونها معتدية، وظالمة لك ولإخوتك؛ فهو حرام عليها؛ لكن لا يبيح لك عقوقها، وراجع الفتوى: 401791.
فبادر بالتوبة إلى الله تعالى، واعتذر من أمّك، ولا تهجرها، وإذا وقع منك شيء يسير في حقّها، فنرجو أن يكون مظنة العفو من الله، ما دمت حريصا على برها، قال تعالى: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا {الإسراء: 25}.
قال الطبري -رحمه الله- في تفسيره: وقوله إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ- يقول: إن أنتم أصلحتم نياتكم فيهم، وأطعتم الله فيما أمركم به من البرّ بهم، والقيام بحقوقهم عليكم، بعد هفوة كانت منكم، أو زلة في واجب لهم عليكم، مع القيام بما ألزمكم في غير ذلك من فرائضه، فإنه كان للأوّابين بعد الزَّلة، والتائبين بعد الهَفْوة غفورا لهم. انتهى.
واعلم أنّه لا تلزمك طاعة أمّك في تأخير الزواج، أو إجابة ما تطلبه من المسكن الفاخر، والسيارة، والسفر، وإذا قدرت على الزواج، فبادر به، إعفافا لنفسك، واحرص على برّ أمّك قدر استطاعتك.
والله أعلم.