أميل القرن التاسع عشر
مدة
قراءة المادة :
3 دقائق
.
(18) من أراسم إلى هيلانة في 21 أبريل سنة -185
قد أصبتِ أيتها العزيزة هيلانة في انتقادك طريقتنا في سياسة الأطفال، فإنها
جديرة بالاستهزاء والسخرية، ولكن يالها من طريقة تلائم أخلاقنا وأوضاعنا
السياسية ملاءمة عجيبة، فلا إفراط في التضييق على الطفل وحصره في لفائفه إذا
كان حظه في مستقبله أن يقمط ويشدّ بجميع أنواع القوانين والأوامر، أما حبال
الملابس التي نُمسَك بها عند المشي، فلا تعوزنا وعندنا منها ما يناسب جميع الأعمار؛
لأنه قد يجوز أن لا نحسن المشية، فتلزمنا تلك الحبال أن نمشي على صراط
مستقيم، وأن نمضي إلى حيث يريد من يقودنا، حقًّا إن القائمين علينا في تربيتنا
ليسلبوننا من أول نشأتنا كل ما أودع فينا من حسن الظن بأنفسنا وثقتنا بها، فما
أعقلهم وأبعدهم نظرًا في العواقب! ! إن هذا يعلمنا أن نكون في جميع أمورنا تابعين
لغيرنا معتمدين عليه في حفظنا ووقايتنا، فإننا بتعويد الناشئين على أن يُقادوا في
درجانهم ويُهزّوا في مهودهم، ويساسوا ويراقبوا في جميع حركاتهم وسكناتهم -
نؤهلهم لأن يعيشوا في مستقبل حياتهم بأعين الشرطة وتحت سيطرتها , فما أجملها
طريقة تتسلسل أجزاؤها! ! التسلسل هو أحسن لفظ وجدته للتعبير عن اتصال
غاياتها بمبادئها.
إن ماذكرتيه لي من الطريقة التي يجري عليها الإنكليز في تربية أولادهم قد
أسفر لي عن وجه الحكمة في حسن أحوال إنكلترا وأبان لي أنه لا سبب لوجود ما لها
من الأوضاع والقوانين الحرة إلا ماتتخذه من الطرق في تربية أبنائها على مبادئ
الحرية والاختيار، نحن في فرنسا نفرط في تعليق آمالنا بالحوادث، ونفرّط في
الاعتماد على ما أوتيناه من القوى، فماذا أقول في وصفنا، غير أننا لسنا فرنساويين
وإنما نحن يهود؛ لأننا دائمًا على رجاء من نزول المسيح في صورة حاكم يرفع
قواعد العدل ويخلص الناس من عوادي الجور.
لا أقصد بهذا الكلام أن أنكر قيمة ما تناوب حكومتنا من التغير في صورها،
وما ينتج من ذلك من المزايا، فإن هذا بعيد عن فكري؛ لأني لو كنت ممن لا
يعبأون بالشؤون السياسية لما وُجدت حيث أنا الآن، على أني قد وصلت بعد طول
النظر ومخض الرأي في ذلك التغير إلى اعتقاد أن ملك الاختيار لا قرار له إلا في
نفوسنا، وإننا إذا أردنا تمكين وتوطيد دعائمه في الأمة وجب علينا أولاً أن نؤسس
أصوله في قلوبنا 0 اهـ
((يتبع بمقال تالٍ))