عنوان الفتوى : التائب من الذنب كمن لا ذنب له

مدة قراءة السؤال : 3 دقائق

مذ خلقني ربي لم أًجْرُؤ على أن أعصيه في علاقة محرمة، أو أن أتحدث إلى رجل غير محرم لي.
لطالما حافظت على نفسي كل هذه السنين حتى بلغت ال 23، لا أدري ماذا حدث! ولكني تعرفت على شاب أجنبي ملحد على مواقع التواصل، وتعلقت به. لا أعلم كيف تجرأت وذهب عقلي هكذا! ولكني أحببته، ووعدني بالإسلام والزواج وكان كل ذلك هراء، كنت أعلم بسخف هذا الأمر، ولكني لحبي وتعلقي صدقته؛ فاستغلني بطريقة بشعة، كنت أرسل له صورا مخلة وهو كذلك. لا أدري كيف تجرأت على هذه الفعلة!
طال الأمر، وتماديت كثيرا بالإرسال، إلى أن تركني فجأة، وهنا جُن جنوني، لم أذل نفسي قط كما أذللتها لأجله، لدرجة أنه أهانني وأهان ديني وبلدي، ومع ذلك كنت أستمر بمطاردته، حتى قال لي: كيف لمسلمة أن تفعل هذا، أليس دينك يمنعك؟!
استيقظت فجأة على هول مصيبتي. كيف لملحد يشتم ربي أمامي، ويستهزئ بي أن يقول هكذا؟! لقد صفعني هذا الكلام.
حذفت كل شيء: مواقعي وحساباتي، ولكني دخلت في حالة اكتئاب شديدة أهملت فيها نفسي وصحتي. لا أستطيع تخطي ما فعلت، ولا أجرؤ حتى على أن أطلب المغفرة من ربي.
لطالما كنت مثالا يضرب للمرأة المسلمة، لم أسمح لأحد أن يذلني أو يذل ديني بأي طريقة، فكيف حدث هذا، وشمت ملحد بي!
لا أستطيع أن أرى نفسي كما كانت عزيزة، أشعر بأني مهما فعلت سأبقى مهانة. كيف سمحت لشخص غريب أن يرى عورتي ويهينني!
لا زلت لا أستطيع النوم من التفكير والهَمِّ. وأخاف أن يكون قد حفظ الصور ونشرها في مواقع غير جيدة، فهو ليس شخصا يؤتمن على سر، ولا يؤمن بإله يردعه.
كيف أنسى؟ وكيف أواصل حياتي؟ أريد إنهاءها، أشعر بأني أكره نفسي كثيرا، ولا أجرؤ حتى على التوبة. أفكر كيف يراني الله بعد ما فعلته؟
هذا الأمر يقتلني كثيرا.

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن إدراك المرء للخطأ الذي ارتكبه هي بداية السير في الطريق الصحيح، وهو يعني أن له قلبًا حيًّا يمكن أن ينير له الدرب في هذا الطريق.

ويكفي أن تعلمي أن لك ربًّا من أسمائه الغفور، الذي يغفر ذنب من عاد إليه نادما تائبا، ومهما عظُم الذنب، فمغفرته أوسع، وهو القائل: قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر: 53}.

فعلٍّقي رجاءك بالله، وأحسني الظن به؛ فهو عند ظن عبده به، روى الترمذي أن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني؛ غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني؛ غفرت لك، ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا؛ لأتيتك بقرابها مغفرة.

وكوني على حذر من السير وراء هذه الخواطر السيئة التي تصور لك أنه لا مجال لك للتوبة والاستغفار، فإن هذا يوقعك فيما هو أخطر مما فعلت وهو القنوط من رحمة الله، واليأس من روحه، وقد قال تعالى: قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ {الحجر: 56}، وقال: وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف: 87}.

وفي مسند أحمد عن فضالة بن عبيد -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: وثلاثة لا تسأل عنهم: رجل نازع الله رداءه، فإن رداءه الكبرياء وإزاره العزة، ورجل شك في أمر الله، والقنوط من رحمة الله.

ثم إن هذا الشعور قد يستغله الشيطان ليرجعك لمثل هذه الحال من الردى التي كرهت نفسك من أجلها. والصواب أن تبحثي لنفسك السبيل لإنقاذها منها.

والتفكير بكونه قد ينشر هذه الصور نرجو أن لا تتمادَيْ فيه، بل اعملي على مدافعته، فقد لا يفعل.

ثم إن عليك أن تتوجهي لربك، وتتضرعي إليه، وتسأليه أن يكفيك شره، ومن الدعاء المناسب لهذا المقام ما رواه أحمد وأبو داود عن عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه-: أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا خاف قوما قال: «اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم».

وأكثري من سؤال الله العافية ليستر حالك، ويعافيك من كل بلاء، وتجدين في الفتوى: 221788، مجموعة من الأدعية المتعلقة بهذا.

واحرصي على كل ما يعين على الاستقامة، ومن ذلك صحبة النساء الصالحات، والحرص على حضور مجالس الخير.

واستتري بستر الله، ولا تفضحي نفسك، فتحدثي أحدا بما حصل منك، بل حاولي نسيان ما حصل، وافتحي صفحة جديدة مع ربك، فهو غفور ستير يحب التوابين سبحانه.

وراجعي لمزيد من الفائدة الفتاوى: 12928،10800،1208.

ولعل مما يعينك في هذا السبيل الزواج من رجل صالح، ولا حرج عليك في البحث عنه، والاستعانة بالثقات من صديقاتك.

وكوني على حذر من مجرد التفكير في الانتحار، فضلا عن الإقدام عليه فعلا، فهو لا يحقق لصاحبه سعادة، بل ينقله لشقاء أعظم مما يفر منه، فقد ورد فيه وعيد شديد بيناه في الفتوى: 10397.

نسأل الله -عز وجل- لنا ولك العافية والسلامة من كل بلاء، وأن يرزقك الهدى والتقى والعفاف والغنى.

والله أعلم.