عنوان الفتوى : هل يجب الوفاء بشرط عدم السفر بالزوجة بعيدا عن والديها؟
والد زوجتي اشترط شرطا عند النكاح دون رضا زوجتي، ولكنها سكتت خوفا من أن يرفض النكاح، فهل علينا الوفاء بالشرط؟ خصوصا أنه متعلق بسفرنا خارج البلاد، ونحن متضايقون من العيش هنا، ولم نعد نتحمل، فأنا شخص من جنسية عربية أتيت إلى بلد آخر، ويسر الله لي الزواج من فتاة مسلمة من أهل البلد، واشترط والدها قبل النكاح أن لا أسافر بزوجتي خارج البلد سفر انتقال، وأن أبقي ابنته قريبة منه، ووافقت. واعترضت الفتاة، ولكنها سكتت خوفا من أن يرفض والدها النكاح، وقالت إننا قد نضطر للسفر، أو ننتقل لأي مكان يوما ما، من أجل مستقبل عائلتنا، ولا أريد أن يتحكم أبي في حياتي بعد زواجي، خصوصا مع عدم عجزه، فهو يعمل ولديه أولاده، وبناته يهتمون به، لكنني قبلت، وكانت نيتي الوفاء بهذا الشرط، وفعلا تم الاستقرار في بلدها، واشتريت منزلا وسيارة، وفتحت عملا خاصا، وكانت الأمور على ما يرام، ورزقنا بمولودة -ولله الحمد- ثم بعد سنة من زواجنا بدأت المضايقات للعرب في هذا البلد، وكل يوم نسمع قصة ضرب، أو قتل لأحد من العرب، أو الأجانب، وازدادت العنصرية، والكراهية بشكل كبير. وتعرضنا -أنا وزوجتي- لعدة مواقف عنصرية ضيقت علينا معيشتنا، وأصبحنا مخنوقين، إلى أن جاء يوم وتعرضت فيه لمضايقات عنصرية شخصية، بسبب طبيعة عملي، وأصبحت أتلقى اتصالات، ورسائل شتم، وقذف، آخرها تهديدات بالقتل من فاعل مجهول. وكنت أعمل في مكتبي، وأغلق الباب بالمفتاح خوفا من أن يهجم علي أحد، وفقدت الأمان، وأصبحت خائفا على نفسي، ثم قررت الانتقال من هذا البلد إلى بلد أكثر أمانا وقبولا، وأخبرت زوجتي، فوافقت، وأخبرت والدها، فرفض، وقال لي لا بد أن تفي بوعدك، ولن يقبل إلا إذا وافقت ابنته على الذهاب معي، ولن يكون راضيا عنها لو وافقت. فهل يلزمني الوفاء بهذا الشرط، مع العلم أنه لم يكن رغبة البنت، ولا شرطها منذ بداية النكاح؟ وهل عدم مقدرتي على الوفاء بالشرط بسبب الظروف التي شرحتها يسقط عني هذا الشرط؟ وهل آثم، أو تأثم زوجتي بعدم وفائنا بالشرط؟.
أفتونا مشكورين.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليك في السفر بزوجتك إلى بلد آخر لا سيما مع رضاها، لأمور:
أولها: أن بقاء الزوجة في بلد يهدد فيها زوجها بالقتل، وتعامل فيها هي وزوجها بما فيه ضرر عليهما، لا شك أن هذا البقاء تنتفي معه المنفعة التي من أجلها رُوعي ذلك الشرط ابتداء، فإن الفقهاء نصوا على أن اشتراط عدم نقلها من بلدها داخل في: شَرْط مَا تَنْتَفِعُ بِهِ الْمَرْأَةُ، مِمَّا لَا يُنَافِي الْعَقْدَ - فإذا انقلب الوفاء بالشرط إلى ضرر، فلا عبرة به، ولا يطالب أحد بالبقاء في بلد تلحقه فيه مشقة لا سيما القتل.
ثانيا: أن اشتراط عدم السفر بالزوجة -وإن كان صحيحا-، إلا أن الوفاء به مستحب، وليس بلازم في قول جمهور أهل العلم.
قال البهوتي الحنبلي في كشاف القناع: وَلَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ -أَيْ بِالشَّرْطِ الصَّحِيحِ- بَلْ يُسَنُّ الْوَفَاءُ بِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَأُجْبِرَ الزَّوْجُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُجْبِرْهُ عُمَرُ، بَلْ قَالَ لَهَا شَرْطُهَا . اهــ.
وفي المنتقى لأبي الوليد الباجي: فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي تَشْتَرِطُ عَلَى زَوْجِهَا أَنْ لَا يَخْرُجَ بِهَا مِنْ بَلَدِهَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِهَا إنْ شَاءَ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالْحُكْمِ، وَأَمَّا عَلَى الْوَفَاءِ لَهَا مَا شَرَطَتْ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ بَلَدِهَا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ... وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَقَدْ اسْتَحَبَّ مَالِكٌ، وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَفِيَ لَهَا بِمَا شَرَطَ، وَأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ لِلزَّوْجِ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ. اهــ.
ثالثا: أن صحة الشرط يترتب عليه ثبوت الخيار للزوجة، فإن اختارت السفر مع زوجها، فقد أسقطت حقها، ولا حرج.
قال البهوتي: فَهَذَا النَّوْعُ صَحِيحٌ لَازِمٌ لِلزَّوْجَةِ بِمَعْنَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهَا بِعَدَمِهِ، لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ: أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً، وَشَرَطَ لَهَا دَارَهَا، ثُمَّ أَرَادَ نَقْلَهَا، فَخَاصَمُوهُ إلَى عُمَرَ، فَقَالَ: لَهَا شَرْطُهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ: إذَنْ يُطَلِّقْنَنَا، فَقَالَ عُمَرُ: مُقَاطِعُ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ ـ وَلِأَنَّهُ شَرَطَ لَهَا مَنْفَعَةَ مَقْصُودَةً لَا تَمْنَعُ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ. اهــ
ولذا؛ فإنه لا حرج عليك، وعلى زوجتك في مفارقة تلك البلد، والسفر لبلد آخر تأمنان فيه على أنفسكما، وأولادكما.
والله أعلم.