أرشيف المقالات

هل تفقدون من أحد؟

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
هل تفقدون من أحد؟

مرت الأيام ولا أزال في انتظار.
أذكر تلك اللحظات، كم كانت سعيدة.
عندما أنظُر إلى تلك الوجوه المشرقة.
أشعُر أن هذه الابتسامات المنيرة تتدفق داخلي.
تبعث في نفسي روحًا جديدة مليئة بالتفاؤل والأمل.
تُشعرني بالراحة والأمان.
تُخبرني أني لست في هذا العالم وحدي.
وإن تخلَّى عني الجميع، وملوا محادثتي، وسَئموا مساعدتي.
تذكرت أنهم معي، يكفيني حبُّهم، يؤنسني وجودهم، أنعم بقربهم.

أنتظر سؤالهم: تُرى لماذا تأخروا عني ولم يشعروا بغيابي؟
ماذا شغلكم إخوتي عن تفقُّد أحوالي؟
أنسيتم تلك الرابطة التي بيننا؟
أنسيتم أن رابطة الدين أقوى من كل الروابط؟ وأَولى بالحفظ والصيانة والرعاية؟

وأن أُخوة الإسلام أقوى حتى مِن أخوة النسب.
أنسيتم قول الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10].
إنها المحبة في الله ثمرة من ثمرات الإيمان، تقوى بقوته، وتضعف بضَعفه.

كلما كنا أكثر إيمانًا كنا أكثر محبة لإخواننا، ورحمةً بهم، ونصحًا لهم، واهتمامًا بشأنهم، وحرصًا على نُصرتهم ومواساتهم، ومعايشةً لآلامهم وآمالهم.

كان الحسن البصري رحمه الله يقول‏: ‏(إخواننا أحبُّ إلينا من أهلينا؛ لأن أهلينا يذكروننا بالدنيا، وإخواننا يذكروننا بالآخرة)[1].

من حقوق الأخوة تفقُّد الإخوان:
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة له، فلما أفاء الله عليه، سأل أصحابه: "هل تفقدون من أحد؟ قالوا: نعم، فلانًا وفلانًا وفلانًا، فيقول: "لكني أفقد جليبيبًا"[2].
 
وقال عطاء بن أبي رباح رحمه الله:‏ "تفقدوا إخوانكم بعد ثلاث، فإن كانوا مرضى فعُودوهم، أو مشاغيل فأعينوهم، أو كانوا نسوا فذكِّروهم‏"[3].‏

عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله تبارك وتعالى: وجبتْ محبتي للمتحابين فيَّ، وللمتجالسين فيَّ، وللمتزاورين في وللمتباذلين فيَّ"[4].

أوجب على نفسه ذلك سبحانه، لزمت محبته لهؤلاء الذين تحابوا في الله، وجلسوا يقرؤون القرآن، ويتدارسون العلم، والمتزاورين في الله عز وجل، كمن ذهب يزور أخاه في الله لا يبتغي شيئًا إلا أن يزوره في الله.
(والمتباذلين): من البذل والعطاء والإيثار على النفس ابتغاء وجه الله سبحانه.

قال علي بن الحسين رضي الله عنهما لرجل‏: ‏"هل يدخل أحدكم يده في كم أخيه أو كيسه، فيأخذ منه ما يريد بغير إذنه، قال‏:‏لا قال‏:‏ فلستم بإخوان"[5]‏.‏

وقال أبو سليمان الداراني‏:‏ "لو أن الدنيا كلها لي، لجعلتُها في فم أخ من إخواني، لاستقللتُها له"[6].
 
أرأيتم كيف تكون الأخوة؟ وما حقوقها؟
فلا تنسوني إخوتي، ولا تحرموني اهتمامكم وسؤالكم، فما طاب العيش ولا ازدانت الحياة إلا بكم.
قيل لمحمد بن المنكدر رحمه الله: "ما بقي من لذتك؟ قال: لقاء الإخوان وإدخال السرور عليهم"[7].
فسبحان مَن ألَّف بين قلوبنا ورزَقنا هذه اللذة، إنها لذة الأخوة، لا يعرف مذاقَها إلا مَن ذاق طعمَ الإيمان.



[1] قوت القلوب؛ لأبي طالب المكي.


[2] صحيح مسلم (2472).


[3] (إحياء علوم الدين) للغزالي.


[4] (الترغيب والترهيب 3 /328 ).


[5] إحياء علوم الدين للغزالي، الجزء الثاني، كتاب آداب الألفة والأخوة والصحبة والمعاشرة، ص (213).


[6] المصدر السابق، ص (214).


[7] أخرج الحافظ أبو نعيم في الحلية عن سفيان بن عيينة، ( فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب ).

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣