عنوان الفتوى : ما حكم تكرار عقد النكاح مرتين، كل مرة بمهر جديد؟
نحن اذا خطبنا فتاة للشاب فمع قبول اهل الفتاة نستوصل عقد نكاحهما(القبول و الايجاب) و نسمي لها مهرا، فقبل ليلة الزفاف المهر يؤدي إليها كاملة، ثم بعد الوليمة في بيت الزوج و في ليلة الزفاف نستوصل العقد مرة ثانية و نعين لها مهرا جديدا أقل من مهر الأول،فهل هذا التكرار لعقد النكاح جائز ام يكون بدعة؟ و هل على الزوج أن يعطى هذالمهر الجديد إلي زوجته؟ أريد الجواب الشافي، لأن هناك اختلاف في المسألة بيننا و بين أكابرنا(في السن) ،و أحيانا يصل الأمر إلي حد المنازعة و المشاجرة اللفظية بيننا.
الحمد لله.
أولا :
تكرار عقد النكاح ، على الصورة المذكورة في السؤال: لا أصل له في الشريعة المطهرة، ولم يذكره أحد من الفقهاء. وعلى ذلك؛ فيكون العقد الثاني لغوا ، لا يترتب عليه شيء ، وإثبات الحل بين الزوجين ، والتحريم بالمصاهرة ، وسائر ما يترتب على النكاح من حقوق أو واجبات: قد ثبت بالعقد الأول ، والعقد الثاني لا يضيف شيئا جديدا بالنسبة لهذه الأحكام ، ولذلك يصح وصفه بأنه باطل ، أي: لا يترتب عليه شيء .
جاء في "درر الحكام في شرح مجلة الأحكام،" (المادة 176):
"القاعدة الأصلية : أن العقد إذا جُدد وأعيد: فالثاني باطل.
فالبيع بعد البيع، والصلح بعد الصلح، والنكاح بعد النكاح، والحوالة بعد الحوالة: كل ذلك باطل.
إلا أن بعض صور البيع والإجارة خارج عن هذه القاعدة، كما يجيء في هذه المادة.
فإذا عقد البيع أولاً، ثم عقد ثانياً على مثل ثمن الأول، جنساً ووصفاً وقدراً: فالعقد الثاني غير معتبر، ويبقى العقد الأول على حاله، لأنه لا يوجد فائدة في العقد الثاني. وشرط صحة العقد أن تترتب عليه فائدة" انتهى.
لكن الناس قد يعيدون العقد لمصلحة يرونها، كإعلانه، أو توكيد العقد السابق .. ونحو ذلك .
ثانيا :
أما المهر؛ فالمهر المتفق عليه بين الزوج وولي الزوجة: يجوز أن يكون مقدما كله، أو مؤخرا كله، كما يجوز أن يكون بعضه مقدما، وبعضه مؤخرا ، ولهما أن يتفقا على تسليمه على دفعتين أو أكثر، حسب ما يتراضيان عليه .
قال ابن قدامة رحمه الله:
"يَجُوز أَنْ يَكُونَ الصَّدَاقُ مُعَجَّلًا , وَمُؤَجَّلًا , وَبَعْضُهُ مُعَجَّلًا وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلًا ; لِأَنَّهُ عِوَضٌ فِي مُعَاوَضَةٍ , فَجَازَ ذَلِكَ فِيهِ كَالثَّمَنِ" انتهى .
وبناء على هذا ؛
فإذا حصل الاتفاق على أن يكون المهر على دفعتين ، فلا مانع من ذلك، والواجب على الزوج الوفاء بما تراضيا عليه من مهر.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله :
هل يجب أن يقبض صداق المرأة عند تسميته أو عند العقد ، أم يُكتفى بتسميته ، ويجوز تأجيله إلى وقت لاحق بعد الزواج؟
فأجاب :
"هذه المسألة ترجع إلى اتفاق الزوجين ، أو الزوج وولي المرأة ، إذا اتفقا على شيء فلا بأس به ، من تعجيل أو تأجيل ، كل ذلك واسع والحمد لله ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ يُوَفَّى بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ) .
فإذا اتفقا على أن المهر يقدم أو يؤخر ، أو يقدم بعضه ويؤخر بعضه : فكل ذلك لا بأس به ، لكَّن السنةَ أن يُسمِّي شيئا عند العقد ؛ لقوله سبحانه وتعالى : (أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ) ، فيسمي شيئا من المهر ، فإن سمى شيئا فهو حسن ، وإن قال : على مهر مؤجل ، وهو معلوم بينهما فلا بأس ، أو مؤجل نصفه أو ثلثه أو ربعه ، ويبين المعجل والمؤجل: فلا بأس ، كل ذلك واسع ، والحمد لله" انتهى ، "مجموع فتاوى ابن باز" (21/89-90) .
وكذلك أيضا إذا لم يتم الاتفاق على هذا ، ولكن العرف كان جاريا ، بأن المهر يسلم على دفعتين ، فالواجب على الزوج الالتزام بذلك ، لأن من القواعد المعروفة عند العلماء "الشرط العرفي كاللفظي" إعلام الموقعين لابن القيم (2/414) .
والمعنى : أنه إذا جرى العرف على شيء ما متعلق بعقد من العقود ، فالواجب على المتعاقدين الالتزام بهذا العرف ، حتى وإن لم يتم النص عليه صراحة عند العقد .
وينظر جواب السؤال رقم (217989) .
ثالثا :
والذي ينبغي –قطعًا للنزاع وأسباب الخلاف- أن يتم الاتفاق على المهر، وطريقة تسليمه ، صراحة ؛ فيقال –مثلا- :
المهر كذا من المال ، ويسدد على دفعتين، الأولى كذا ، والثانية كذا ، ويحدد وقت كل دفعة .
وبهذا يرتفع الخلاف .
والذي ينبغي لولي المرأة أن يخفف المهر المطلوب ، فإن هذا من أسباب حصول البركة في النكاح .
وينظر جواب السؤال رقم (10525) .
والله أعلم