عنوان الفتوى : حقوق المطلقة ومنعها منها ومن حضانة أولادها ومنع أولادها من التواصل معها
أبي طلق أمي بالثلاث عندما كنت صغيرة، وكنا في بلد غير بلدنا -أنا وأخي وأمي وأبي-، لكنه لم يطلقها رسميًا، ولم يعطها حقوقها من مؤخر وذهب، ونفقة، وحضانة الأطفال، وأخذنا -أنا وأخي- من دون علم أمي، وأخذ كل أوراقها الرسمية كي يعيق عليها الحياة، بينما كان وضع البلد خطير جدًا وقتها، وسافر بنا إلى بلد آخر، ومنع التواصل بيننا، وحاول أن يقنعني أنها ماتت، وعندما كبرت كنت على أحسب أنها ما زالت على قيد الحياة، وكان دائما يمنع أي وسيلة يمكن أن توصلها أو توصلني لأي معلومة تخصها... فما حكم ما فعله أبي؟ وما عقوبة ما فعله أبي في الشرع بأمي وغدره بها، وما فعله بنا، حيث حرمنا لسنين طويلة من التواصل معها، أو حتى رؤيتها؟ وما هو الشيء الذي يمكن أن يعمله حتى يكفر عن ذنوبه ويسامحه رب العالمين؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الزوج إذا تلفظ بطلاق زوجته أو كتبه ناويا به الطلاق وقع طلاقه، ولا يشترط لوقوعه توثيقه رسميا، ولكن هذا التوثيق مهم لحفظ الحقوق ورفع النزاع، قال ابن جزي -المالكي- في القوانين الفقهية: المسألة الخامسة: في كتاب الصداق، وليس شرطًا، وإنما يكتب هو وسائر الوثائق، توثيقًا للحقوق، ورفعًا للنزاع. اهـ.
والمرأة المطلقة تستحق حقوقها من المهر والنفقة ونحو ذلك، وهنالك خلاف بين الفقهاء في حكم استحقاق البائن النفقة والسكنى، وسبق بيانها في الفتوى: 8845.
والحضانة حق للأم ما لم تتزوج، وهذا فيما إن كان الأبوان في بلد واحد، فإن سافر أحدهما سفر نقلة، فالحضانة حق للأب في قول بعض أهل العلم، والمسألة محل خلاف، وراجعي الفتوى: 76166.
وعلى كلٍّ، إن منع أبوك أمك شيئا من حقوقها فهو ظالم لها، فالواجب عليه أن يتوب إلى الله سبحانه، وشروط التوبة سبق بيانها في الفتوى: 29785.
فيجب عليه أن يعطيها حقوقها المالية من المهر ونحوه مما بقي في ذمته إن كانت أمكم حية، وإن كانت قد ماتت دفع ذلك الحق لورثتها، ومن تمام التوبة من الحقوق المعنوية كثرة الدعاء لأمكم بخير، وراجعي الفتوى: 18180.
وإن منعكم أبوكم من التواصل مع أمكم فقد أساء إساءة عظيمة، ففي هذا إعانة على قطيعة الرحم، وقد قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة: 2}.
والواجب عليكم بره على كل حال، فمن حق الوالد أن يبره أولاده وإن أساء، كما هو مبين في الفتوى: 299887.
ونوصيكم بالتلطف مع أبيكم واستدراجه لمعرفة ما إن كانت أمكم حية أم لا، إن كنتم لم تعرفوا ذلك بعد، لتقوموا بصلتها إن كانت حية، أو لتبروها إن كانت قد ماتت، فبر الوالدين يكون بعد الوفاة، كما أنه يكون في الحياة، وسبق بيان ذلك في الفتوى: 410095.
والله أعلم.