عنوان الفتوى : مذهب الحنفية في العمل في مصنع عبوات، يستعمل بعضها في تعبئة الخمر

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما حكم العمل في معمل أَوانٍ زجاجية، ثم بعد ذلك تذهب بعض الأواني إلى معامل؛ ليُعبَّأ فيها الخمر، ثم تذهب إلى المتاجر.
أريد الفتوى على المذهب الحنفي، حيث إنني أعرف أنه لا يصح بيع المعازف، ويصح بيع الخشب المتخذة منه؛ لأن المعصية لا تقوم بعينه.
فهل العمل في صنع الأواني الزجاجية جائز على المذهب الحنفي، حتى وإن كان بعضها يذهب ليستخدم في الخمر؟
وشكرا لكم.

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن مذهب الحنفية أن صنع الأواني، أو بيعها لمن يُعلم أنه سيستعملها في شرب الخمر، ليس بمحرم؛ لأن المعصية لا تقوم بعين الآنية، وإنما بفعل المشتري.

جاء في «الاختيار لتعليل المختار» للموصلي: قال: (ولا بأس ببيع العصير ممن يعلم أنه يتخذه خمرا) لأن المعصية ‌لا ‌تقوم ‌بعينه، بل بعد تغيره.

قال: (ومن حمل خمرا لذمي طاب له الأجر). وقالا -يعني: الصاحبين: أبي يوسف ومحمد بن الحسن- : يكره؛ لأنه أعانه على المعصية. وفي الحديث: «لعن الله في الخمر عشرا " وعد منهم " حاملها»

وله أن المعصية شربها، وليس من ضرورات الحمل، وهو فعل فاعل مختار، ومحمل الحديث الحمل لقصد المعصية حتى لو حملها يريقها أو ليخللها جاز. اهـ.

وفي الدر المختار للحصكفي: (ويكره) تحريما (بيع السلاح من أهل الفتنة إن علم) لأنه إعانة على المعصية (وبيع ما يتخذ منه كالحديد) ونحوه يكره لأهل الحرب (لا) لأهل البغي؛ لعدم تفرغهم لعمله سلاحا؛ لقرب زوالهم، بخلاف أهل الحرب. زيلعي. قلت: وأفاد كلامهم أن ما قامت المعصية بعينه يكره بيعه تحريما، وإلا فتنزيها. نهر. اهـ.

قال ابن عابدين في حاشيته: مطلب في كراهة بيع ما تقوم المعصية بعينه (قوله: تحريما) بحث لصاحب البحر، حيث قال: وظاهر كلامهم أن الكراهة تحريمية لتعليلهم بالإعانة على المعصية. محيط ديناري.

(قوله: من أهل الفتنة) شمل البغاة، وقطاع الطريق، واللصوص. بحر (قوله: إن علم) أي إن علم البائع أن المشتري منهم (قوله: لأنه إعانة على المعصية)؛ لأنه يقاتل بعينه، بخلاف ما لا يقتل به إلا بصنعة تحدث فيه كالحديد، ونظيره كراهة بيع المعازف؛ لأن المعصية تقام بها عينها، ولا يكره بيع الخشب المتخذة هي منه، وعلى هذا بيع الخمر لا يصح، ويصح بيع العنب. والفرق في ذلك كله ما ذكرنا. فتح، ومثله في البحر عن البدائع، وكذا في الزيلعي، لكنه قال بعده: وكذا لا يكره بيع الجارية المغنية، والكبش النطوح، والديك المقاتل، والحمامة الطيارة؛ لأنه ليس عينها منكرا؛ وإنما المنكر في استعمالها المحظور.

قلت: لكن هذه الأشياء تقام المعصية بعينها، لكن ليست هي المقصود الأصلي منها، فإن عين الجارية للخدمة مثلا، والغناء عارض، فلم تكن عين المنكر، بخلاف السلاح فإن المقصود الأصلي منه هو المحاربة به، فكان عينه منكرا إذا بيع لأهل الفتنة، فصار المراد بما تقام المعصية به ما كان عينه منكرا بلا عمل صنعة فيه، فخرج نحو الجارية المغنية؛ لأنها ليست عين المنكر، ونحو الحديد والعصير؛ لأنه وإن كان يعمل منه عين المنكر لكنه بصنعة تحدث، فلم يكن عينه. اهـ.

وأما جمهور العلماء: فإن الأصل عندهم أن ما عُلم أن المشتري سيستعمله في محرم، فلا يجوز صنعه له، ولا بيعه عليه، وهو ما نفتي به.

كما سبق في الفتويين: 244906 - 322033.

لكن ينبغي التنبه إلى أن كون المصنع ليس مخصصا لصنع الأواني وبيعها لتعبئة الخمور، وإنما يصنع الأواني التي تصلح لتعبئة الخمر ولغيره من المباحات، ويبيعها على جهات متعددة أغلبها يستعمله في المباح، فإن ذلك لا يوجب تحريم العمل في المصنع -فيما لا يتصل ببيع تلك الأواني لمعامل الخمور-، لأن العامل حينئذ لم يقع منه إعانة مباشرة، ولا مقصودة على المحرم، كما سبق في الفتويين: 436606 - 147779.

وانظر للفائدة أيضا، الفتوى: 413557.

والله أعلم.