عنوان الفتوى : حكم نظام التأمين وحكم التأمين على الصحة
ما حكم نظام التأمين فى الشرع؟ و هل التأمين على الحياة و الصحة و كذلك البيت والسيارة جائز شرعا؟ وهل العمل بشركات التأمين جائز أم لا؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن المعلوم أن عقد التأمين حديث النشأة، فقد ظهر في القرن الرابع عشر الميلادي في إيطاليا في صورة التأمين البحري، والتأمين أو ما يعرف باسم السوكره نوعان:
النوع الأول: تأمين تعاوني: وهو أن يتفق عدة أشخاص على أن يدفع كل منهم اشتراكاً معيناً لتعويض الأضرار التي قد تصيب أحدهم إذا تحقق خطر معين، وهو قليل التطبيق في الحياة العملية.
النوع الثاني: تأمين بقسط ثابت: وهو أن يلتزم المؤمَّن له مبلغاً ثابتاً يدفع إلى المؤمِّن (شركة التأمين) يتعهد المؤمِّن بمقتضاه دفع مبلغ معين عند تحقق خطر معين، ويدفع العوض إما إلى مستفيد معين أو ورثته أو شخص المؤمن له، وهذا العقد من عقود المعاوضات.
والنوع الأول من عقود التبرعات، فلا يقصد المشتركون فيه الربح من ورائه، ولكن يقصد منه المواساة والإرفاق، وهو من قبيل التعاون على البر، وهذا النوع جائز، وقليل من يفعله.
وأما التأمين بقسط، فهو المتداول بكثرة، كالتأمين لدى الشركات المختصة به على الحياة أو السيارات أو المباني أو الصحة وغير ذلك. وعقد التأمين هذا يعتبر عملية احتمالية، لأن مقابل القسط ليس أمراً محققا، لأنه إذا لم يتحقق الخطر فإن المؤمِّن لن يدفع شيئاً ويكون هو الكاسب، وإذا تحقق الخطر المبرم عليه العقد فسيدفع المؤمن إلى المؤمن له مبلغاً لا يتناسب مع القسط المدفوع.
وإذا كان عقد التأمين بهذا الوصف، تعين علينا أن نعود إلى صورة الضمان في أحكام الفقه الإسلامي لنحتكم إليه في مشروعية هذا العقد أو مخالفته لقواعد الضمان الإسلامي.
فمن المعروف في الشريعة الغراء أنه لا يجب على أحد ضمان مال لغيره بالمثل أو بالقيمة إلا إذا كان قد استولى على هذا المال بغير حق أو كان أضاعه على صاحبه أو أفسد عليه الانتفاع به بحرق أو هدم أو غرق أو نحو ذلك من أسباب الإتلافات، أو كان ذلك عن طريق الغرر أو الخيانة، أو كفل أداء هذا المال، ولا شيء من ذلك بمتحقق في عقد التأمين بقسط (التأمين التجاري)، حيث يقضى عقد التأمين أن تضمن الشركة لصاحب المال ما يهلك أو يتلف، أو عند حدوث الوفاة بحادث، كما أن المؤمِّن لا يعد كفيلاً بمعنى الكفالة الشرعية، وتضمين الأموال بالصورة التي يحملها عقد التأمين محفوف بالغبن والحيف والغرر.
ولا تقر الشريعة كسب المال بأي من هذه الطرق وأشباهها، لأنها لا تبيح أكل أموال الناس بغير الحق، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل" النساء (29) ، وإنما تبيح العقود التي لا غرر فيها ولا ضرر بأحد الطرفين، وفي عقد التأمين غرر وضرر محقق بأحد الطرفين، لأن كل ما تعمله شركة التأمين أنها تجمع الأقساط من المتعاقدين معها، وتحوز من هذه الأقساط رأس مال كبير، تستثمره في القروض الربوية وغيرها، ثم تدفع من أرباحه الفائقة الوفيرة ما يلزمها به عقد التأمين عن تعويضات الخسائر، التي لحقت بأموال المؤمن لهم ، مع أنه ليس للشركة دخل في أسباب هذه الخسائر، لا بالمباشرة ولا بالتسبب، فالتزامها بتعويض الخسارة ليس له وجه شرعي، كما أن الأقساط التي تجمعها من أصحاب الأموال بمقتضى العقد لا وجه لها شرعاً، وكل ما يحويه عقد التأمين من اشتراطات والتزامات فاسد، والعقد متى اشتمل على شرط فاسد كان فاسداً، والمراد من الغرر هنا المخاطرة، وهذا هو المتوفر في عقد التأمين، وهو في الواقع عقد بيع مال بمال، وفيه غرر فاحش، والغرر الفاحش يؤثر على عقود المعاوضات المالية باتفاق الفقهاء، ومع هذا كله ففي هذا العقد تعامل بالربا الذي فسره العلماء بأنه زيادة مال بلا مقابل في معاوضة مال بمال. والفائدة في نظام التأمين ضرورة من ضروراته، فالربا معتبر في حساب الأقساط، حيث يدخل سعر الفائدة، وعقد التأمين عبارة عن الأقساط مضاف إليها فائدتها الربوية، وتستثمر أموال التأمين في الأغلب بسعر الفائدة بإقراضها، وهذا ربا.
وفي معظم حالات التأمين (تحقق الخطر أو عدمه) يدفع أحد الطرفين قليلاً ويأخذ كثيراً، أو يدفع ولا يأخذ، وهذا عين الربا، لأنه كما قلنا مال بمقابل مال فيدخله ربا الفضل والنسيئة.
وفي حالة التأخير في سداد قسط يكون المؤمن له ملزماً بدفع فوائد التأخير، وهذا ربا النسيئة، وهو حرام شرعاً بإجماع أهل العلم.
وعقد التأمين يفُضي إلى استهتار الناس المؤمن لهم بالأموال، وعدم مبالاتهم بها حيث يعلمون أن شركات التأمين ستدفع لهم عند حدوث حادث، وفي هذا إتلاف للأموال والأنفس، فتعم الفوضى واللامبالاة.
ولهذه الأسباب فقد اجتمعت قرارات المجامع الفقهية على تحريم التأمين بصوره المذكورة سابقاً، باستثناء التأمين التعاوني، من حيث هي عقود، بغض النظر عن الشيء المؤمَّن عليه. علماً بأن التأمين على الحياة يزيد على غيره بخصلة سيئة، ألا وهي الاعتماد على شركة التأمين بدلاً من التوكل على الله في تدبير شؤون الرزق والمعاش للشخص ولذريته… وفي هذا ما فيه من إفساد القلوب، والغفلة عن الله، وترك سؤاله واللجوء إليه في الشدائد.. وكل هذا مما يعرض إيمان الشخص لخطر عظيم، ولهذا أيضاً فإن العلماء الذين أباحوا بعض أنواع التأمين لم يجيزوا التأمين على الحياة، لما ذكرنا. والمسلم مسئول أمام الله تعالى عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع … ومنها، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه……) رواه الترمذي، فواجب على المسلمين الالتزام بالمعاملات التي تقرها الشريعة الإسلامية والابتعاد عن المعاملات المحرمة.
وأما العمل بشركات التأمين فحكمه يتوقف على نوع التأمين من حيث الحل والحرمة ، فما كان منه جائز جاز العمل فيه، وما كان حراماً فلا يجوز العمل فيه.
والله تعالى أعلم.