عنوان الفتوى : حكم الصيام في النصف الثاني من شعبان
أنا من الأردن، وقد بدأت الصيام في شهر شعبان من الأيام الثلاثة البيض. وكما تعلمون فإن الأردن وعلى عكس معظم الدول، فإن يوم الأحد عندها كان يوافق الثاني عشر من شعبان، وليس الثالث عشر.
وعليه؛ وحتى أضمن أنني صمت الأيام الثلاثة البيض، فقد بدأت الصيام من يوم الأحد الماضي، وحتى يوم الأربعاء. فهل هذا جائز؟
ثم إنني كنت قد سمعت الأحاديث النبوية التي تتحدث عن الصيام في شهر شعبان؛ فعزمت على أن أصوم معظم الشهر من قبل أن أبدأ بصيام الأيام الثلاثة البيض، فصمت الثلاثة البيض، والآن ما زلت صائما، وأنوي أن أكمل الشهر كاملا. وقد سمعت أن هذا الأمر مكروه، إلا إذا ابتدأت بالصيام من قبل النصف من شعبان. وبما أنني صمت ابتداء من الأيام الثلاثة البيض. فهل يكره أن أكمل صيام شعر شعبان حتى دخول رمضان، أم إنه لا حرج في ذلك؟
وجزاكم الله خير الجزاء.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن صيام أيام البيض مستحب؛ لما روى أبو ذر -رضي الله عنه- قال: قال صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر: إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام، فصم ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة. رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه الألباني.
وفي مسند الإمام أحمد من حديث أبي ذر: من كان منكم صائمًا من الشهر ثلاثة أيام، فليصم الثلاث البيض. قال شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن.
ولا حرج في صيام اليوم الثاني عشر، ولا سيما إذا أردت الاحتياط بناء على كونه الثالث عشر في بعض البلدان.
ويستحب أيضًا الإكثار من صيام شهر شعبان، اقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-. فقد قالت عائشة -رضي الله عنها-: ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استكمل صيام شهر قط، إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صيامًا، في شعبان. رواه البخاري ومسلم. وفي لفظ مسلم: وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ، أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا.
وعن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قال: قلت: يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم. رواه أبو داود والنسائي، وحسنه الألباني.
فهذه الأحاديث تدل على الترغيب في صوم أكثر شعبان، ويشمل ذلك نصفه الأول والأخير، ولكن ورد حديث يفيد النهي عن الصيام في النصف الثاني من شعبان، وهو حديث: إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ، فَلَا تَصُومُوا. رواه الترمذي.
وبعض أهل العلم يرى أنه ضعيف، ومنهم من يرى أنه صحيح، فقد صححه الترمذي وابن حبان والحاكم والطحاوي وابن عبد البر. وضعفه ابن مهدي وأحمد وأبو زرعة والأثرم.
وجمع بعض أهل العلم بينه وبين الأحاديث الدالة على مشروعية صيام النصف الثاني من شعبان، فقال بعضهم: النهي إنما هو في حق من ليس له عادة بالصيام، وأما من كان له عادة- كمن يصوم الإثنين والخميس، وكمن يكثر من الصيام في شعبان عادة-، فإن النهي لا يشمله.
قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: وَأَمَّا ظَنُّ مُعَارَضَته بِالْأَحَادِيثِ الدَّالَّة عَلَى صِيَام شَعْبَان، فَلَا مُعَارَضَة بَيْنهمَا، وَإِنَّ تِلْكَ الْأَحَادِيث تَدُلّ عَلَى صَوْم نِصْفه مَعَ مَا قَبْله، وَعَلَى الصَّوْم الْمُعْتَاد فِي النِّصْف الثَّانِي، وَحَدِيث الْعَلَاء يَدُلّ عَلَى الْمَنْع مِنْ تَعَمُّد الصَّوْم بَعْد النِّصْف لَا لِعَادَةٍ، وَلَا مُضَافًا إِلَى مَا قَبْله. اهـ.
وقال الحافظ في الفتح: قال القرطبي: لا تعارض بين حديث النهي عن صوم نصف شعبان الثاني، والنهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين، وبين وصال شعبان برمضان. والجمع ممكن بأن يحمل النهي على من ليست له عادة بذلك، ويحمل الأمر على من له عادة، حملا للمخاطب بذلك على ملازمة عادة الخير حتى لا يقطع. انتهى ملخصا.
والأولى أن تفطر اليومين الأخيرين من شعبان؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه، فليصم ذلك اليوم. رواه البخاري.
والله أعلم.