عنوان الفتوى : مذاهب الفقهاء في السجود للسهو عند الإتيان بتكبيرة الانتقال في غير محلها
إذا أتى الإمام بإحدى تكبيرات الانتقال في غير محلها، بدون قصد، ولم يسجد للسهو. فهل يجب عليَّ أن أنبهه على ذلك بعد الصلاة في كل مرة حتى يسجد للسهو، ثم أسجد معه، أو إنه يجزئ عند جميع العلماء أن أسجد للسهو لوحدي بعد التسليم؟
وماذا لو سألني أحدهم عن سبب سجودي للسهو؟ وإن لم أسجد للسهو، فهل تبطل صلاتي؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن تكبيرات الانتقال تقال بين الأركان، هذا هو محلها؛ لئلا يبقى شيء من الصلاة إلا وهو عامر بالذكر.
جاء في الدُّرّ الثمين على المرشد المعين: تكبيرهُ مع الشروع، وذلك مطلوب في حق الإمام والفذ والمأموم. اهـ.
فإذا أتى بها المصلي في غير محلها، فصلاته صحيحة، ولا يلزمه شيء عند جمهور أهل العلم؛ لأن التكبير للانتقال والتسميع عندهم سنة -غير واجب-، وهو من أذكار الصلاة التي لا تبطل بتركه، أو الإتيان به في غير محله.
جاء في الموسوعة الفقهية: جمهور الفقهاء -الحنفية والمالكية والشافعية- على أن تكبيرات الانتقال سنة. اهـ.
وذهب الحنابلة -في القول المشهور عندهم- إلى وجوبها، وجبرها بسجود السهو لمن تركها سهوا.
قال ابن قدامة في المبدع: مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْهَا عَمْدًا، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَمَنْ تَرَكَهُ سَهْوًا، سَجَدَ لِلسَّهْوِ. وَعَنْهُ: إِنَّ هَذِهِ سُنَنٌ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا. انتهى.
وقال في المغني: ويكون ابتداء تكبيره مع ابتداء رفعه، وانتهاؤه مع انتهائه. انتهى.
ويقول أيضاً:يستحب أن يكون ابتداء تكبيره مع ابتداء رفع رأسه من السجود، وانتهاؤه عند اعتداله قائماً ليكون مستوعباً بالتكبير جميع الركن المشروع فيه. وعلى هذا بقية التكبيرات إلا من جلس للاستراحة فإنه ينتهي تكبيره عند انتهاء جلوسه ثم ينهض للقيام بغير تكبير. انتهى
وذهب بعضهم إلى أن المصلي لو وصل إلى الرُّكوع قبل نهاية تكبيرة الانتقال لا حرجَ عليه، وأن القول بفساد الصَّلاة بذلك فيه حَرَج، ولا يمكن أن يُعملَ به إلا بمشقَّة وعسر، ولذلك؛ فالصلاة عنده صحيحة.
قال المرداوي الحنبلي في الإنصاف:يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَكْبِيرُ الْخَفْضِ وَالرَّفْعِ وَالنُّهُوضِ ابْتِدَاؤُهُ مَعَ ابْتِدَاءِ الِانْتِقَالِ، وَانْتِهَاؤُهُ مَعَ انْتِهَائِهِ، فَإِنْ كَمَّلَهُ فِي جُزْءٍ مِنْهُ أَجْزَأَهُ، لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ مَحَلِّهِ بِلَا نِزَاعٍ، وَإِنْ شَرَعَ فِيهِ قَبْلَهُ، أَوْ كَمَّلَهُ بَعْدَهُ، فَوَقَعَ بَعْضُهُ خَارِجًا عَنْهُ فَهُوَ كَتَرْكِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْهُ فِي مَحَلِّهِ فَأَشْبَهَ مَنْ تَمَّمَ قِرَاءَتَهُ رَاكِعًا، أَوْ أَخَذَ فِي التَّشَهُّدِ قَبْلَ قُعُودِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْفَى عَنْ ذَلِكَ، لِأَنَّ التَّحَرُّزَ مِنْهُ يَعْسُرُ، وَالسَّهْوَ بِهِ يَكْثُرُ، فَفِي الْإِبْطَالِ بِهِ أَوْ السُّجُودِ لَهُ مَشَقَّةٌ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: فِيهِ وَجْهَانِ، أَظْهَرُهُمَا: الصِّحَّةُ وَتَابَعَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الْحَوَاشِي قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. اهـ مختصرا.
ولذلك لا يجب عليك أن تنبه الإمام بعد كل صلاة، أو في كل مرة على السجود للسهو؛ لأنه لا يلزمه عند جمهور أهل العلم، ولأنه يمكن أن يكون على هذا المذهب.
لكن لا مانع أن تنبهه على المذهب الآخر إذا كنت مقتنعًا برجحانه من باب النصيحة والمذاكرة.
وأما السجود للسهو إذا لم يسجد الإمام، فليس متفقًا على مشروعيته للمأموم، وراجع الفتوى: 393337.
وصلاتكم صحيحة على كل حال عند أكثر أهل العلم، وبعض الحنابلة -كما تقدم-، وفي القول الآخر عندهم.
والذي ننصحك به -بعد تقوى الله تعالى- هو الإعراض عن الأوهام، وترك تشعبات الأسئلة التي لا يترتب عليها حكم، ولا ينبني عليها عمل؛ لأن ذلك قد يؤدي بك إلى الوسواس، نسأل الله لنا ولك العافية.
والله أعلم.