عنوان الفتوى : كيف تحسب الأيام الأربعة في مدة إقامة المسافر؟
سافرت من جدة إلى أبها، تحركت يوم الأحد ظهرا، ووصلت فجر يوم الاثنين في أبها، وسنبقى إلى يوم الخميس، لكن يوم الجمعة هو اليوم الذي سنعود فيه، يعني أن من يوم الاثنين إلى الخميس أربع ليالٍ، أما يوم الجمعة التي هي الليلة الخامسة سنعود فيها بعد صلاة العصر أو المغرب، لست متأكدا، لكن في يوم الجمعة، فهل يجوز لنا القصر والجمع؟
الحمد لله.
أولاً:
اختلف العلماء في المدة التي يكون بها الإنسان مسافراً إذا وصل إلى وجهته التي سافر إليها، فذهب جمهور أهل العلم من إلى أن المدة أربعة أيام، وذهب آخرون إلى أنها واحد وعشرون يوماً، وهذا في حال أنه قد جمع النية على الإقامة تلك الأيام، وأما إذا لم يكن قد جمع النية على أيام محددة، وإنما يترقب قضاء حاجته ويعود، فهذا يترخص حتى تُقضى حاجته.
وقد سبق بيان ذلك وكلام أهل العلم فيه في فتاوى سابقة في الموقع ما أغنى عن الإعادة، فليرجع إليها: (359214 )، (60358 ).
ثانياً:
على القول بأن المدة أربعة أيام، فقد اختلف العلماء في ابتداء حسابها، فذهب الجمهور إلى أنه لا يحسب منها يوم الدخول والخروج.
وذهب الحنابلة إلى أن يوم الدخول والخروج محسوبان منها، وفي رواية أنها إحدى وعشرون صلاة.
قال العبدري (المواق) رحمه الله: "إذا أجمع المسافر في بر وبحر على مقام أربعة أيام بلياليهن، أتم الصلاة، وصام، حتى يظعن من مكانه، وقال ابن القاسم في العتبية: يلغي يوم دخوله ولا يحسبه" انتهى من "التاج والإكليل لمختصر خليل" (2/503).
وقال القرافي: "اعتبر ابن القاسم أربعة أيام غير يوم دخوله، لتناول لفظ خبر الأيام، ويلزم على قوله عدم اعتبار يوم خروجه" انتهى من "الذخيرة للقرافي" (2/361).
وقال الشيرازي رحمه الله: "وإن نوى المسافر إقامة أربعة أيام غير يوم الدخول ويوم الخروج: صار مقيماً وانقطعت عنه رخص السفر؛ لأن بالثلاثة لا يصير مقيماً؛ لأن المهاجرين حرم عليهم الإقامة بمكة، ثم رخص لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيموا ثلاثة أيام، فقال: يمكث المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثاً...
وأما اليوم الذي يدخل فيه ويخرج: فلا يحتسب به، لأنه مسافر فيه، فإقامته في بعضه لا تمنعه من كونه مسافراً؛ لأنه ما من مسافر إلا ويقيم بعض اليوم، ولأن مشقة السفر لا تزول إلا بإقامة يوم" انتهى من "المهذب في فقه الإمام الشافعي" (1/195).
وقال النووي: "قال الشافعي والأصحاب: إن نوى إقامة أربعة أيام صار مقيما وانقطعت الرخص، وهذا يقتضي أن نية دون أربعة لا تقطع السفر، وإن زاد على ثلاثة. وقد صرح به كثيرون من أصحابنا.
وفى كيفية احتساب الأربعة وجهان حكاهما البغوي وآخرون.
أحدهما: يحسب منها يوما الدخول والخروج ...، وأصحهما: وبه قطع المصنف-الشيرازي- والجمهور لا يحسبان.
فعلي الأول لو دخل يوم السبت وقت الزوال بنية الخروج يوم الأربعاء وقت الزوال صار مقيما ، وعلى الثاني لا يصير ، وإن دخل ضحوة السبت بنية الخروج عشية الأربعاء" انتهى من "المجموع شرح المهذب" (4/361).
وقال ابن مفلح الحنبلي رحمه الله: "ويحتسب يوم الدخول والخروج من المدة على الأظهر" انتهى من "المبدع في شرح المقنع" (2/122).
وبناء على ما سبق: فعلى قول جمهور أهل العلم يجوز لكم أن تترخصوا برخص السفر أربعة أيام غير يومي الدخول والخروج، فلا يحسب بالنسبة لكم يوم الإثنين ولا يوم الجمعة.
وعلى قول الحنابلة -على الروايتين- فإن نية إقامتكم إلى الجمعة تسقط عنكم الترخص، حيث يحسب الإثنين والجمعة من الأيام فتكون زائدة على أربعة أيام، وعلى إحدى وعشرين صلاة.
فإن فعلتم بأن قصرتم الصلاة، فتقضون كل تلك الأيام على قول الحنابلة.
قال ابن قدامة رحمه الله: "وإن أقام في بلدة مدة إحدى وعشرين صلاة فما دون، لم يحتسب عليه بها؛ لأنه في حكم السفر، تجرى عليه أحكامه. وإن زاد على ذلك، قضى الجميع مما أقامه؛ لأنه خرج عن حكم السفر" انتهى من "المغني" (10/254).
والظاهر أنّ الأمر واسع، ولا تلزمكم إعادة الصلاة، فليس عند أحد دليل صريح على حساب الأيام، ولا على حساب يوم دخول وخروجه من عدمه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "هذه المسألة إذا نوى المسافر الإقامة في بلد فهل ينقطع عنه حكم السفر ويلزمه حكم الإقامة؟
في هذا خلاف بين أهل العلم زاد على عشرين قولاً كما في المجموع شرح المهذب للنووي، وإنما وصلت الأقوال إلى هذا لأنه ليس في المسألة نص قاطع يفصل في الخلاف فاختلف في هذا العلماء اختلافاً كثيراً" انتهى من "تعليقات ابن عثيمين على الكافي" (2/ 139 ترقيم الشاملة).
والله أعلم.