عنوان الفتوى : اجتماع الطلاق مع الظهار
منذ سنتين حصل شجار بيني وبين زوجتي، لدرجة أن كل واحد من الجيران سمعنا، حيث قمت بضربها وسبِّها؛ لأنها غلطت على أبي وأمي، ولم تكتف بذلك، بل أصبحت تصيح وتشتم، وجمعت علينا الناس.
فقمت بضربها وشتمها لدرجة الجنون، فكانوا يبعدونني عنها وأرجع لضربها، وصل بي الأمر للجنون وفقدان العقل. وأنا لدي طبيعة إذا غضبت لا أميز بين الصحيح والغلط. فقمت بتطليقها، ومن شدة غضبي قلت لها كلمة: طالق 10 مرات. وقلت لها: تحرمين عليَّ كما حرمت أمي وأختي، وأرسلتها إلى أهلها.
ولم أندم في اليوم التالي، أو بعد ما رحلت، بالعكس بقيت قرابة شهر كلما تذكرت ما فعلت فيَّ وفي أهلي أزيد غضبا، وأقول في نفسي إن قراري صحيح، حتى إن أمي قالت لي: أرْجعها، فقلت: تحرم علي كأمي وأختي، لكن لم أكن أعلم أن التحريم أيضا يكون طلاقا. فعندنا معروف بعدم لمس المرأة مرة ثانية، وليس طلاقا، يعني أنه ظهار.
وسألني عنها أكثر من شخص، فكنت أقول: طلقتها، ولكن بعد فترة أنَّبني ضميري وندمت، وأصبحت أفكر بأولادي ومستقبلهم؛ لذلك قررت إرجاعها. وأخذني صديق والدي لمفت عندهم؛ فنحن لاجئون لا نعرف أحدا، فأفتاني، قال لي: كم كان غضبك ومقداره؟ قلت له: فقدت عقلي، قال لي: طلاقك باطل، ويسمح لك بردها. ولكن لم يقل لي هل ندمت بعدها، أو في اليوم التالي، أو هل رجعت عن قراري، وقلت إنه غلط.
السبب الذي جعلني أستفتي هو أني قرأت في إحدى الفتاوى أنه يجب الندم، فإن لم تندم فطلاقك واقع.
أرجو الإفادة، ولكن أقسم بالله لم أنم لي ثلاث ليال، أرهقني التفكير وأنا أبحث في الفتاوي.
فهل يجب الندم ليبطل الطلاق، أو من الأساس لأنه بغضب، فالطلاق باطل، فلا يهم هل ندمت أو لا؟
وهل قولي في فترة جلوسها عند أهالها بأنها حرام عليَّ مثل ما حرمت أمي وأختي، يعتبر ظهارا أو طلاقا، مع أنني منذ يومين عرفت أن التحريم يعتبر طلاقا لأنه متعارف عندنا أنه عدم لمس؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فأكثر أهل العلم على أنّ الغضب الذي لا يُزيل العقل؛ لا يمنع وقوع الطلاق أو الظهار. وهذا هو المفتى به عندنا، لكنّ بعض أهل العلم لا يوقع الطلاق في الغضب الشديد، ولو لم يَزُل العقل، وراجع الفتوى: 337432.
والمسائل التي اختلف فيها أهل العلم، لا حرج على من عمل بقول من أقوالهم فيها، ما دام مطمئنا إلى صحة القول، وليس متبعا لهواه، وانظر الفتوى: 241789.
فإن كنت سألت من تثق بعلمه ودينه من أهل العلم؛ فأفتاك بعدم وقوع الطلاق بسبب الغضب؛ فلا حرج عليك في العمل بقوله.
لكن المفتى به عندنا في قولك عن زوجتك: "تحرم عليَّ كأمي وأختي" أنّه ظهار، فيحرم عليك جماع زوجتك قبل أن تكفر كفارة الظهار المذكورة في قول الله تعالى: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ {المجادلة: 3-4}. وراجع الفتوى: 105241.
وننبهك إلى أنّ الندم لا أثر له على وقوع الطلاق أو عدمه.
ونصيحتنا لك أن تحذر من الاندفاع والاسترسال مع الغضب؛ فإنّه مفتاح الشر، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم- أَوْصِنِي قَالَ: لَا تَغْضَبْ، فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ: لَا تَغْضَبْ. رواه البخاري.
قال ابن رجب: فهذا يدل على أن الغضب جِماع الشر، وأن التحرّز منه جماع الخير. اهـ.
والله أعلم.