عنوان الفتوى : الله مستحق للعبادة ولو لم يدخل العبد الجنة وينجه من النار
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله... وبعد: فمن صلى صلاته فالجنة مبتغاه، ومن صام صيامه فالجنة مبتغاه، ومن أحب ربه فالجنة مبتغاه، ومن خاف عذابه فلأن الجنة مبتغاه، فمالي بقوم يعجبون لمن يطلب أعاليها، وهل من يرضى بالخلود في أي نعيم كان، ويسخطه سفه القدر في الفانية بعد ما كرم ربه إلا أحمق إلا إني سائلكم عن الجنة مسألة، وهذا الدين كامل وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تركت شيئاً يقربكم من الجنة ويبعدكم عن النار إلا وقد أخبرتكم به، كذلك من أراد في الجنة مقاماً يذكر أبعده عمله عن النار ما به يجبر، فهل أنا نائل المقام الذي أريد ومقدر لعمله إن خلصت النية وصدق الطلب، والله المستعان؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالواجب على المسلم أن يجمع في عبادته لله تعالى بين ثلاثة أشياء وهي الحب والخوف والرجاء، فيعبده حباً له وتنفيذاً لأمره ورجاء لثوابه وأعلاه النظر إلى وجهه الكريم، والفوز بأعلى رضوانه وجناته، وخوفاً من عقابه وأشده النار وبئس القرار، ولا ينبغي أن يكون الدافع له للعبادة رجاء الجنة والنجاة من النار فقط، لأن الله مستحق للعبادة ولو لم يثب العابد بالجنة ولم ينجه من النار، وعلى هذا حمل قول من قال من الصوفية: ما عبدناه خوفاً من ناره ولا طمعاً في جنته.
قال العطار في حاشيته على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع: قد اعترض القاضي أبو بكر بن العربي على الصوفية في قولهم لا نعبده خوفاً من ناره ولا طمعاً في جنته بأن الله تعالى عظم شأن الجنة والنار ورغب عباده في الجنة ونعيمها وخوفهم من النار وعذابها، وإن أجيب عنهم بأنه ليس مرادهم احتقار شأن الجنة والنار وعدم الاهبتال بهما، فإن تعظيم ما عظم الله واجب، واحتقاره ربما كان كفراً، وإنما مرادهم أنهم لا يجعلون أعمالهم معللة بهما بحيث لو لم يوجدا ما عملوا فإن مولانا تعالى يستحق على العبد العبادة لذاته وصفاته لو لم تكن جنة ولا نار فهذا هو الذي يتحرزون عنه، ومن ها هنا نعلم أن حق العاملين ألا يقصدوا بأعمالهم التوصل إلى عطائه بل حق هذا السيد المحسن في حالتي الاقبال والإعراض أن لا يسلك معه سبيل المعاملات والإعراض وأن يعبد ويخضع له لجلاله وجماله اللذين أنبأ عنهما عموم إحسانه فمن عبده حينئذ ليتوصل بعبادته إلى عطائه فقد جهل حق ربوبيته ولم يخلص في عبوديته لأنه يعمل لنيل حظه فكأنه يدفع شيئاً ليأخذ في مقابلته أكثر منه فليس عبداً على الحقيقة وكأنه يستشعر أن معبوده إنما يعطيه بعمله على حسب عمله وليس ذلك مقتضى الكرم الذي هو وصفه تعالى ولهذا ورد النهي عن النذر المعلق إن شفى الله مريض أو قدم غائب لأصومن أو لأتصدقن وكأنه يقول اشف مريضي أعبدك بكذا كأنه إنما يشفيه له إذا التزم عبادته، وهذا غير لائق بكرمه تعالى، فهو جهل قبيح من العبد، وعليه حمل قوله صلى الله عليه وسلم: إياكم والنذر فإنما يستخرج به من البخيل. وقد نبه صلى الله عليه وسلم أن العبد لا ينال شيئاً في الحقيقة إلا بفضله تعالى وكرمه بقوله: لن يدخل أحدكم الجنة بعمله... فحق العبد إذاً أن لا يجعل عمله هو الموصل على سبيل الربط المطرد والدوران الدائم بل يعمل عبوديته خضوعاً ويعتمد على فضل مولاه وكرمه والذي يبين بطلان الربط المطرد إحسانه السابق عن الأعمال. انتهى.
وقال التقي السبكي في فتاويه: فإن قلت فقد جاء عن أكابر أهل الطريق قول بعضهم ما عبدناك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك..... قلت: والقدر الذي لا بد منه ولا يصير المؤمن مؤمناً بدونه اعتقاد استحقاق الله العبادة على عباده سواء... أم عذبهم فهو لذاته تعالى مستحق للعبادة بأمره تعالى ذاته استحق أنه مهما أمر به وجبت طاعته وحرمت معصيته ثم إنه يفضله تعالى وعد الطائعين وتوعد العاصين والعاملون على أصناف، صنف عبدوه لذاته وكونه مستحقاً لذلك فإنه مستحق لذلك لو لم يخلق جنة ولا ناراً فهذا معنى قول من قال: ما عبدناك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك، أي بل عبدناك لاستحقاقك ذلك، ومع هذا فهذا القائل يسأل الله الجنة ويستعيذ به من النار، ويظن بعض الجهلة خلاف ذلك وهو جهل، فمن لم يسأل الله الجنة والنجاة من النار فهو مخالف للسنة فإن من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ذلك. انتهى.
وأما بقية السؤال فغير واضح المقصود منه فالرجاء إعادة صياغته وإرساله.
والله أعلم.