عنوان الفتوى : الضوابط الشرعية للإنكار على الفتيات المتبرجات
لدي أسئلة:
هذا يحدث كثيرا من طرف الذكور في بلدنا.
هل يجوز إيذاء الفتيات في مختلف وسائل السب والشتم والاستهزاء، والعنف؛ لكي يتعطلن عن الدراسة المختلطة ويبقين في البيوت. رغم أنهن يفضلن دائما الخروج للدراسة وسط هذه الأجواء، بدل المكث في البيت؟
وهل يجوز إيذاء الفتيات في الشارع والحافلات والأسواق، والتحرش بهن؛ لكي يبقين في البيوت، ولبيان أن الشارع لا خير فيه، ورغم ذلك الشوارع والحافلات والأسواق ممتلئة بالنساء؟
السؤال الثاني: هل يجوز للرجل العبوس والغضب، والتكلم بصفة محرجة في وجه امرأة سافرة بالخصوص، وكل النساء في العموم؛ كي يصرفهن عنه، ولا يخدمهن، بحجة حرمة الاختلاط؟
وهل يحرم على الرجل كالبائع مثلا، النظر إلى النساء من غير شهوة؟
جزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا خرجت المرأة على وجه منكر سواء كان للدراسة المختلطة أو غيرها، وسواء كانت في الأسواق، أو في وسائل المواصلات، أو غير ذلك.
فلا يجوز الإنكار عليها إلا على وجه يراعي الضوابط الشرعية في الإنكار، ومن ذلك أن يكون برفق ولين.
أما ما ذكر من السب والاستهزاء والإيذاء، والتحرش، فلا يجوز، ولا فائدة فيه.
وحرمة الاختلاط لا تسوغ الإنكار على وجه هو نفسه منكر؛ فمن أهم مقاصد الإنكار الترغيب لا التنفير، وهداية الناس لا غوايتهم.
قال صاحب معالم القربة في طلب الحسبة، في صفات المحتسب: وَلْيَكُنْ شِيمَته الرِّفْق، ولين الْقَوْل، وَطَلَاقَةُ الْوَجْهِ، وَسُهُولَةُ الْأَخْلَاقِ عِنْدَ أَمْرِهِ النَّاسَ، وَنَهْيِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي اسْتِمَالَةِ الْقُلُوبِ وَحُصُولِ الْمَقْصُودِ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ، وَتَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ {آل عمران: 159}. وَلِأَنَّ الْإِغْلَاظَ فِي الزَّجْرِ رُبَّمَا أَغْرَى بِالْمَعْصِيَةِ، وَالتَّعْنِيفُ بِالْمَوْعِظَةِ يُنَفِّرُ الْقُلُوبَ. اهـ.
والصورة المعهودة للاختلاط اليوم في كثير من الجامعات والمؤسسات التعليمية وإن كانت محرمة في الأصل، يختلف حكمها باختلاف بعض الأحوال والأشخاص، فتجوز للضرورة أو الحاجة مع مراعاة الضوابط الشرعية، ونرجو مراجعة الفتوى: 5310، ففيها مزيد بيان.
وإذا كان هنالك من يقوم بتلك الممارسات السيئة ليمنع المرأة من الخروج من البيت، فهذا الأسلوب لا يحقق له مقصوده، والذي ينبغي هو نشر العلم والخير بين الناس، لتكون المرأة على بصيرة من دينها، فلا تخرج إلا لحاجتها، ولتتأدب بأدب الشرع عند خروجها، وهذا فيما يتعلق بالسؤال الأول.
وأما السؤال الثاني، فقد تضمنت إجابة السؤال الأول إجابة شقه الأول.
وأما الشق الثاني، فجوابه أنه لا حرج شرعا في مساعدة المتبرجة بشرط ألا يكون ما يساعدها به فيه إعانة لها على أمر التبرج، وإن رُجِي أن ينفعها الهجر فينبغي هجرها وعدم مساعدتها، عسى أن يكون ذلك رادعا لها، فهجر العصاة تراعى فيه المصلحة، كما أوضحنا في الفتوى: 21837.
بقي أن نبين حكم النظر للمرأة عند معاملتها ببيع وشراء ونحو ذلك. فنقول: إن أهل العلم قد رخصوا في ذلك للحاجة، بشرط أمن الفتنة، وعدم تجاوز قدر الحاجة، وألا يكون النظر بشهوة.
قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: إذا كانت حاجة شرعية، فيجوز النظر، كما في حالة البيع، والشراء، والتطبب، والشهادة ونحو ذلك، ولكن يحرم النظر في هذه الحال بشهوة، فإن الحاجة تبيح النظر للحاجة إليه، وأما الشهوة، فلا حاجة إليها. اهـ.
والله أعلم.