عنوان الفتوى : الشقاء والنصب في الدنيا يشمل الذكور والإناث
أود السؤال عن كلمة: (فَتَشْقَى) في قوله تعالى: (فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى).
إذا كان الشقاء مكتوبا على الذكور دون الإناث، ألا يعني ذلك أن الرجل الصالح تكون مكانته أعلى من المرأة الصالحة؛ لأنه يشقى طوال حياته على عكس المرأة؟
بالرغم من أن الله أعطاه ما يعينه على ذلك الشقاء، ولكن ألا يعني كتابة الشقاء عليه أن في ذلك مقابلا كبيرا، فيكون في منزلة أعلى، أو له ثواب أكبر منطقيا؟
وشكرا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كلمة "تشقى" في الآية التي ذكرتها لا تختص بآدم عليه الصلاة والسلام، بل تشمل حوّاء أيضا، كما نبّه على ذلك بعض أهل التفسير.
يقول القرطبي في تفسيره: "فتشقى" يعني أنت وزوجك لأنهما في استواء العلة واحد، ولم يقل: فتشقيا لأن المعنى معروف، وآدم عليه السلام هو المخاطب، وهو المقصود. وأيضا لما كان الكاد عليها والكاسب لها كان بالشقاء أخص. اهـ
وفي تفسير الطبري: وقال تعالى ذكره (فَتَشْقَى) ولم يقل: فتشقيا، وقد قال: (فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا) لأن ابتداء الخطاب من الله كان لآدم عليه السلام، فكان في إعلامه العقوبة على معصيته إياه، فيما نهاه عنه من أكل الشجرة الكفاية من ذكر المرأة، إذ كان معلوما أن حكمها في ذلك حكمه. اهـ
فالشقاء، والتعب في الدنيا ليس خاصا بالذكور، بل يشمل الإناث، فالرجل الصالح ليس أفضل من المرأة الصالحة إلا بكثرة الأعمال الصالحة، وقد يكون الفضل للمرأة إذا كانت أعمالها الصالحة أكثر، فالثواب على قدر المشقة.
جاء في شرح صحيح مسلم للنووي: قوله -صلى الله عليه وسلم-: (على قدر نصبك، أو قال نفقتك) هذا ظاهر في أن الثواب والفضل في العبادة يكثر بكثرة النصب والنفقة، والمراد النصب الذي لا يذمه الشرع، وكذا النفقة. اهـ
وقال المناوي في فيض القدير: (على قدر نصبك) بالتحريك أي تعبك ومشقتك، (ونفقتك) لأن الجزاء على قدر المشقة. قال النووي: ظاهره أن أجر العبادة بقدر النصب والنفقة. قال ابن حجر: وهو كما قال لكن لا يطرد، فرب عبادة أخف وأكثر ثوابا، كقيام ليلة القدر بالنسبة لغيرها، وأمثلته قد أكثر من تعدادها ابن عبد السلام وغيره. اهـ
والله أعلم.