عنوان الفتوى : معنى قوله تعالى: "وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلا تَمتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعونِ هذا صِراطٌ مُستَقيمٌ"
قال الله تعالى: "وَإِنَّهُ لَعِلمٌ لِلسّاعَةِ فَلا تَمتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعونِ هذا صِراطٌ مُستَقيمٌ. وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيطانُ إِنَّهُ لَكُم عَدُوٌّ مُبينٌ" [الزخرف:61-62]، وسؤالي يتعلق بمعرفة الآراء حول تفسير الآية أعلاه.
وعندما وقفت على كلمة: "واتبعون" تبيّن لي شيء لم أقرأه في التفاسير، وهو: أني فكّرت أن الله يتكلّم بلسان عيسى بن مريم -عليه الصلاة والسلام-، أي أن عيسى -عليه السلام- يقول: وإنه -أي: النبي محمد عليه الصلاة والسلام- علم لوقوع الساعة، ثم بعد قول هذا يقول عيسى -عليه الصلاة والسلام- لقومه: فلا تمترن بها واتبعون.
فلو تفكّرنا في هذا نجده معقولًا؛ لأنه من غير المعقول أن يقول الله للبشرية: "اتبعوني"، ويمكن أن يقول الله جل جلاله للبشرية: "اتبعوا ما أنزل اليكم من ربكم"، وليس من المعقول أن يقول الله أن نتبعه، بل هو قول الله بلسان عيسى -عليه الصلاة والسلام-، والآية التالية هو قول عيسى -عليه السلام- أيضًا، وقول التفاسير إن هذه الآية دليل على نزول عيسى -عليه الصلاة والسلام- في آخر الزمان هو تأويل ظنّي، وليس دليلًا قطعيًّا على نزول عيسى -عليه الصلاة والسلام-، فالمقصود في الآية هو نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- في كلمة: "إنه".
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فليس قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ} محكيًّا على لسان عيسى، بل هو من قول الله تعالى، على خلاف بين أهل العلم في مرجع الضمير، هل هو عيسى أم القرآن؟
قال الماوردي في النكت والعيون: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن القرآن علم الساعة؛ لما فيه من البعث والجزاء، قاله الحسن، وسعيد بن جبير.
الثاني: أن إحياء عيسى الموتى دليل على الساعة، وبعث الموتى، قاله ابن إسحاق.
الثالث: أن خروج عيسى علم الساعة؛ لأنه من علامة القيامة، وشروط الساعة. قاله ابن عباس، وقتادة، ومجاهد، والضحاك، والسدي. اهـ.
وقال ابن الجوزي في زاد المسير: في هاء الكناية قولان:
أحدهما: أنها تَرْجِع إِلى عيسى عليه السلام.
ثم في معنى الكلام قولان:
أحدهما: نزولُ عيسى من أشراط الساعة، يُعْلَم به قُربها، وهذا قول ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، والسدي.
والثاني: أن إحياءَ عيسى الموتى دليلٌ على الساعة، وبعث الموتى، قاله ابن إِسحاق.
والقول الثاني: أنها تَرْجِع إلى القرآن، قاله الحسن، وسعيد بن جبير. اهـ.
والظاهر هو القول الأول، قال الشنقيطي في أضواء البيان: التحقيق أن الضمير في قوله: (وإنه) راجع إلى عيسى، لا إلى القرآن، ولا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ومعنى قوله: "لعلم للساعة" على القول الحق الصحيح الذي يشهد له القرآن العظيم، والسنة المتواترة -هو أن نزول عيسى في آخر الزمان حيًّا علم للساعة، أي: علامة لقرب مجيئها؛ لأنه من أشراطها الدالة على قربها .. اهـ. ثم فصَّل في ذلك.
وأما ما استشكله السائل في قوله تعالى: {وَاتَّبِعُونِ}، فجوابه:
أن المقصود باتّباع الله تعالى هو: اتباع أمره، وشرعه، أو وحيه، ورسله.
أو يكون قائل ذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم، على تقدير الأمر بالقول، أي: قل لهم: اتبعون، قال الألوسي في روح المعاني: {وَاتَّبِعُونِ} أي: واتبعوا هداي، أو شرعي، أو رسولي.
وقيل: هو قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم مأمورًا من جهته -عز وجل-، فهو بتقدير القول، أي: وقل: اتبعوني، هذا أي: الذي أدعوكم إليه، أو القرآن .. اهـ.
وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير: يجوز أن يكون ضمير المتكلم عائدًا إلى الله تعالى، أي: اتبعوا ما أرسلت إليكم من كلامي، ورسولي؛ جريًا على غالب الضمائر من أول السورة، كما تقدم، فالمراد باتّباع الله: اتباع أمره، ونهيه، وإرشاده الوارد على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاتباع الله تمثيل لامتثالهم ما دعاهم إليه، بأن شبّه حال الممتثلين أمر الله بحال السالكين صراطًا دلّهم عليه دليل، ويكون هذا كقوله في سورة الشورى: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض}، ويجوز أن يكون عائدًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتقدير: وقل: اتبعون، ومثله في القرآن كثير. اهـ.
ومن المفسّرين من لم يذكر إلا هذا القول الثاني، قال القرطبي في تفسيره: {واتبعون} أي: في التوحيد، وفيما أبلغكم عن الله، {هذا صراط مستقيم} أي: طريق قويم إلى الله. اهـ.
والله أعلم.