عنوان الفتوى : منعه البائع بعض حقه، فأخذ منه مالا بغير علمه.

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

اشتريت بيت بأثاثه وكان تكلفة فقط الاثاث ١٠ مليون دينار عراقي وكانت المده بين البائع والمشتري ٨ اشهر وبعد انقضاء المده ذهبت لارى البيت فتفاجئت بأن صاحب البيت قد اخذ اغلب الاثاث والاغراض مع انه تعهد بأن يخرج من البيت بملابسه فقط عدى الضرر الحاصل في الابواب وبعض الامور مع انه عندما رايت البيت كان كل شي صالح فغضبت جدا وبالصدفه وجدت ان صاحب المنزل قد نسي هاتفه وكان بقيمة مليونين دينار عراقي فقلت لن ارجعه لصاحبه جزاءا على ما فعله بي و سألني عنه فقلت لم اجده اخذت الهاتف وضممته ونيتي ان ابيعه واشتري بثمنه بعض من مستلزمات المنزل لكنني لم افعل خوفا ان يدينني ربِ بذلك او ان اعرض امام رب يوم القيامه فيسألني عنه وتأخذ حسناتي فتعطى لصاحب الهاتف ارجوك ان تهديني للتصرف الصحيح وشكرا

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق

الحمد لله.

هذه المسألة تعرف عند أهل العلم باسم "الظفر"، وهي: إذا أُخِذ من الإنسان مال ظلما، ثم وجد المظلوم مالا لهذا الظالم، فهل له أن يأخذه بغير علمه وإذنه من باب استرجاع الحق؟

فذهب إلى جواز ذلك: المالكية والشافعية.

جاء في "منح الجليل شرح مختصر خليل" (8/ 550):

" وإن كان لشخص حق عند آخر، ولم يقدر على أخذه بطريق الشرع الظاهر، لعدم البينة عليه مع إنكاره، وقدر على أخذ عين شيئِه خُفية: فله أخذه سواء علم غريمه بأخذه أو لم يعلم" انتهى.

وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:

" إن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إجماع أكثر من حفظت عنه من أهل العلم قبلنا، يدل على أن كل من كان له حق على أحد فمنعه إياه فله أخذه منه " انتهى. "الأم" (6 / 267 – 268).

وجاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (29 / 160 - 163):

" اختلف الفقهاء في الظفر بالحقوق المترتبة في الذمة: فمنهم من أجاز ذلك ومنهم من منعه.

فأجاز الحنفية والمالكية والشافعية تحصيل الحقوق بغير دعوى ولا حكم في حالات معينة وبشروط خاصة…

ذهب المالكية إلى أن من كان له حق على غيره، وكان ممتنعا عن أدائه، فله أن يأخذ من مال المدين قدر حقه، إذا كان هذا المال من جنس حق الدائن، وكذا من غير جنسه، على المشهور من مذهب مالك …

ذهب الشافعية إلى أن من استحق دينا على منكر له، ولا بينة للمستحق للدين: فإنه يجوز له أخذ جنس حقه من مال المدين، أو من مال من عليه الحق إن ظفر به استقلالا؛ لعجزه عن أخذه إلا بهذه الطريقة، وكذلك يجوز أخذ غير جنسه إن فقد جنس حقه على المذهب وذلك للضرورة... " انتهى.

وحجتهم على ذلك عموم النصوص الدالة على جواز الاقتصاص من الظالم بمقدار المظلمة.

كقول الله تعالى:

( الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) البقرة (194).

قال القرطبي رحمه الله تعالى:

" قوله تعالى: ( وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ) الحرمات جمع حرمة... والحرمة: ما مُنِعْتَ من انتهاكه. والقصاص المساواة...

وقالت طائفة: ما تناولت الآية من التعدي بين أمة محمد صلى الله عليه وسلم والجنايات ونحوها لم ينسخ، وجاز لمن تُعُدِّيَ عليه في مال أو جرح، أن يَتعدَّى بمثل ما تُعُدِّيَ به عليه إذا خفي له ذلك، وليس بينه وبين الله تعالى في ذلك شيء، قاله الشافعي وغيره، وهي رواية في مذهب مالك...

قلت: والصحيح جواز ذلك كيفما توصل إلى أخذ حقه، ما لم يُعدَّ سارقا، وهو مذهب الشافعي، وحكاه الداودي عن مالك، وقال به ابن المنذر، واختاره ابن العربي، وأن ذلك ليس خيانة، وإنما هو وصول إلى حق. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا )؛ وأخذ الحق من الظالم نَصْر له.

وقوله تعالى:( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ): قاطع في موضع الخلاف.

واختلفوا إذا ظفر له بمال من غير جنس ماله، فقيل: لا يأخذ إلا بحكم الحاكم.

وللشافعي قولان، أصحهما الأخذ، قياسا على ما لو ظفر له من جنس ماله.

والقول الثاني: لا يأخذ؛ لأنه خلاف الجنس.

ومنهم من قال: يتحرى قيمة ما له عليه، ويأخذ مقدار ذلك. وهذا هو الصحيح لما بيناه من الدليل، والله أعلم " انتهى. "تفسير القرطبي" (3 / 249).

وكقوله تعالى:

( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ) النحل (126).

قال الشيخ المفسر محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

" يؤخذ من هذه الآية حكم مسألة ‌الظفر، وهي أنك إن ظلمك إنسان: بأن أخذ شيئا من مالك بغير الوجه الشرعي ولم يمكن لك إثباته، وقدرت له على مثل ما ظلمك به، على وجه تأمن معه الفضيحة والعقوبة؛ فهل لك أن تأخذ قدر حقك أو لا؟

أصح القولين وأجراهما على ظواهر النصوص وعلى القياس: أن لك أن تأخذ قدر حقك من غير زيادة؛ لقوله تعالى في هذه الآية: ( فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ) الآية، وقوله: ( فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ).

وممن قال بهذا القول: ابن سيرين، وإبراهيم النخعي، وسفيان ومجاهد، وغيرهم... " انتهى. "أضواء البيان" (3 / 462).

ولحديث عَائِشَةَ رضي الله عنها: ( أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي، إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ، فَقَالَ: خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ، بِالْمَعْرُوفِ ) رواه البخاري (5364) ومسلم (1714).

قال القرطبي رحمه الله تعالى:

" فأباح لها الأخذ وألا تأخذ إلا القدر الذي يجب لها. وهذا كله ثابت في الصحيح " انتهى. "تفسير القرطبي" (3 / 249).

ومن منع ذلك استدل بما رواه أبو داود (3535)، والترمذي (1264): عن طَلْق بْن غَنَّامٍ، عَنْ شَرِيكٍ وَقَيْس، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ ).

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

" وهذا الحديث على فرض صحته لا ينهض الاستدلال به؛ لأن من أخذ قدر حقه ولم يزد عليه: لم يخن من خانه، وإنما أنصف نفسه ممن ظلمه " انتهى. "أضواء البيان" (3 / 463).

فالحاصل؛ أن الراجح جواز أخذ المظلوم من مال ظالمه بمقدار ما أخذ منه .

فإن كان هذا الهاتف بمقدار حقك أو أقل فلك أخذه ، وإن كان أكثر من حقك فإنك تأخذ حقك من ثمنه وترد الباقي لصاحبه .

وينظر جواب السؤال (171676)، (257561) ، (374786).

والله أعلم.