عنوان الفتوى : له دين على شخص ينكر ويماطل، وللشخص دين عنده مساو له لا يذكره، فماذا يفعل؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

صديقي له دين عند أحد التجار بملبلغ ٨٠٠ ج، غير مكتوب في سجلات المدين، لكن في سجلاته مكتوب، ويذكره جيدا، وهذا المدين يماطل، ويقول ليس علي شيء، والدائن يذكر أن لهذا المدين نفس المبلغ عنده من أثر المعاملات بينهم، لكن المدين لا يذكره نهائيا. فهل إذا تغاضى عن المستحق له مقابل المستحق عليه تجنبا للجدال ، ليس فائدة إلا تجنب المدين ما عليه، والدخول في مشاكل علما بأن المعاملتين ليس عليهم شهود؟

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله.

أولا:

المقاصة في الديون

إذا كان لإنسان دين على آخر، وكان للآخر عليه دين من جنسه، مساوٍ له في القدر والأجل، تقاصّا وتساقطا.

جاء في "الموسوعة الفقهية" (38/ 329): " المُقاصة: إسقاط دين مطلوب لشخص على غريمه، في مقابلة دين مطلوب من ذلك الشخص لغريمه، وهي طريقة من طرق قضاء الديون" انتهى.

فإن اختلف الدينان في القدر، فإن المقاصة تقع بقدر الأقل من الدينين. وللفقهاء تفصيل في المقاصة يعرف من كتب الفقه.

ثانيا:

مسألة الظفر بالحق

إذا لم يكن على الدينين شهود، ولم يمكن صديقك الوصول إلى دينه لعدم اعتراف المدين أو مماطلته، جاز أن يجعل الدين الذي عليه، في مقابل الدين الذي له ما داما متساويين، وهذا يدخل تحت ما يسمى بمسألة الظَّفَر بالحق، وحاصلها : أن من كان له مال عند غيره، ولم يستطع أخذه بوسيلة مشروعة كالتراضي، أو التقاضي، فإنه إن ظفر بشيء من مال خصمه أخذ منه قدر حقه، على الراجح من قولي الفقهاء.

قال العراقي في "طرح التثريب" (8/ 226) في شرح حديث عقبة بن عامر قال: قلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنك تبعثنا فننزل بقوم لا يَقرونا فما ترى في ذلك؟ فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا، وإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم) رواه البخاري (2461):

" استدل به البخاري رحمه الله على مسألة الظفر، وأن الإنسان إذا كان له على غيره حق فمنعه إياه، وجحده: كان له أن يأخذ ما قدر عليه من ماله، في مقابلة ما منعه من حقه، فبوب عليه (باب قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه)، وحكي عن ابن سيرين أنه قال: يقاصه، وقرأ وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به [النحل: 126]، وبهذا قال الشافعي، فجزم بالأخذ فيما إذا لم يمكن تحصيل الحق بالقاضي؛ بأن يكون منكِرا ولا بينة لصاحب الحق. قال: ولا يأخذ غير الجنس مع ظفره بالجنس، فإن لم يجد إلا غير الجنس: جاز الأخذ.

وإن أمكن تحصيل الحق بالقاضي بأن كان مقرا مماطلا، أو منكرا عليه بينة، أو كان يرجو إقراره لو حضر عند القاضي وعرض عليه اليمين، فهل يستقل بالأخذ أو يجب الرفع إلى القاضي؟ فيه للشافعية وجهان؛ أصحهما عند أكثرهم: جواز الأخذ.

وقال ابن بطال: اختلف قول مالك في ذلك فروى ابن القاسم عنه أنه لا يفعل، وروي عنه الأخذ إذا لم يكن فيه زيادة، وروى ابن وهب عنه أنه إذا لم يكن على الجاحد دين فله الأخذ، وإن كان عليه دين فليس له أن يأخذ إلا بقدر ما يكون فيه أسوة بالغرماء.

وقال أبو حنيفة: يأخذ من الذهب الذهب ومن الفضة الفضة ومن المكيل المكيل ومن الموزون الموزون، ولا يأخذ غير ذلك. وقال زفر: له أن يأخذ العوض بالقيمة.

قال ابن بطال: وأولى الأقوال بالصواب: قول من أجاز؛ بدلالة الآية، وحديث هند، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز لها أن تطعم عائلة زوجها من ماله بالمعروف، عوضا عما قصر في إطعامهم، فدخل في معنى ذلك كل من وجب عليه حق لم يوفه، أو جحده؛ فيجوز له الاقتصاص منه " انتهى.

وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم:(171676) أن الأخذ بمسألة الظفر مقيد بثلاثة أمور، تُعلم من مقاصد الشريعة وقواعدها، ومما قاله أهل العلم:

الأول: ألا يأخذ أكثر من حقه.

الثاني: أن يأمن الفضيحة والعقوبة.

الثالث: ألا يمكنه الوصول إلى حقه عن طريق القضاء، لعدم وجود البينة لديه، أو لسوء إجراءات التقاضي وما يصحبه من كلفة وتأخر.

فإن اختل شرط من هذه الشروط لم يجز له العمل بمسألة الظفر.

والله أعلم.