عنوان الفتوى : الاختلاط عند تعلّم الطب وممارسته
أنا طالب في كلية التمريض، وسنخرج بعد أيام للتطبيق العملي، ونستند على قاعدتين مهمتين:
1- كلما رأيت مُمارسات العلاج أكثر، تعلّمت، وتضاعفت كفاءتك.
2- كلّما مارست العلاج أكثر، كنت قادرًا على تنمية مهاراتك، وقدراتك.
ولا يمكن للرجل أن يتحاشى مريضًا أو مريضة، أو يختار من يعالج؛ فالغاية أن يرفع مؤشر كفاءته إلى أقصى حد، حسب استطاعته واجتهاده، ثم إذا تخرج فإنه يصبح للعمل قوانين أخرى -كالتخصص في التخدير، أو العمل في مصلحة طب الأطفال-، مع العلم أن أكثر من 60% من طالبي العلاج نساء، ويصعب عليّ كوني متخرجًا أن أنتظر رجلًا كي أرى كيف يقدّم العلاج، أو لأقدم له العلاج، ومن ثم؛ فأنا واقع في إشكاليتين:
أولاهما: التعرض لجسد الإنسان (خاصة النساء) رؤيةً ومسًّا لغرض الاستشفاء.
ثانيتهما: التّماس المباشر مع النساء -مريضات، أو مرافقات، أو ممرضات أو طبيبات-، ما يعني الاختلاط، فما حكم العمل ممرضًا، مع الأخذ بعين الاعتبار كل النقاط التي ذكرتها آنفًا؟ علمًا أنهم أفتوني بتغيير التخصص عاجلًا، وعدم الذهاب للتربّص، وأنه لا خوف على الرزق؛ فهو بيد الله.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنحن لا نستطيع أن نفتي السائل في خصوص حاله، ولكن نقول على جهة العموم:
إن الاختلاط، والمسّ بين الرجال والنساء على النحو الوارد في السؤال، لا يجوز من حيث الأصل، ولكن في باب الطب، وتعلّمه، وممارسته؛ يجوز بشرط؛ عدم المعالج من كل صنف، وبالقدر الذي تمليه الحاجة، أو تفرضه الضرورة.
وقد بوَّب البخاري في كتاب الطب من صحيحه: باب: (هل يداوي الرجل المرأة والمرأة الرجل؟)، وأسند فيه عن ربيع بنت معوذ، قالت: كنا نغزو مع النبي عليه السلام، نسقي القوم، ونخدمهم، ونردّ القتلى والجرحى إلى المدينة. اهـ.
قال ابن الملقن في التوضيح: وعندنا إنما تجوز المداواة عند عدم المعالج من كل صنف. اهـ.
وقال ابن حجر في فتح الباري: فيه جواز معالجة المرأة الأجنبية الرجل الأجنبي؛ للضرورة. اهـ.
والحاجة، والضرورة يمكن تحقّقها عندما يعجز نظام التعليم، والنظام الصحي عن توفير رجال لتدريب الرجال، وتعليمهم، ومعالجتهم. ونساء لتدريب النساء، وتعليمهن، ومعالجتهن.
والحكم في ذلك يختلف من بلد إلى بلد، ومن حال إلى حال، بحسب الحاجة، والضرورة التي يفرضها الواقع؛ فإنه لا يمكن المنع من تعلّم الطب، وممارسته؛ بسبب وجود هذه المحاذير، ولكن يرخّص فيها بحسب الحال، والحاجة.
والله أعلم.