عنوان الفتوى : صلى الإمام العصر بنية المغرب فهل تصح صلاة المأمومين؟
صليت خلف الإمام صلاة العصر، ولكن عندما انتهى قال: إني صليتها بنية المغرب ناسياً، علماً بأنه صلى ثلاث ركعات، ونبهناه، وقام وأكمل الركعة الرابعة، وسجد سجود السهو، فهل نعيد الصلاة كلنا، أم الإمام فقط، علماً بأن المأمومين صلوها بنية العصر؟
الحمد لله.
أولا:
إذا صلى الإمام العصر بنية المغرب، لم تنعقد صلاته؛ لأن النية شرط لصحة الصلاة ولم توجد.
قال في "كشاف القناع" (1/314): " (ويجب أن ينوي الصلاة بعينها إن كانت معينة من فرض، كظهر) أو جمعة أو عصر أو مغرب أو عشاء أو صبح وكذا منذورة (ونفل مؤقت كوتر) وتراويح (وراتبة) وضحى، واستخارة، وتحية مسجد.
فلا بد من التعيين في هذا كله؛ لتتميز تلك الصلاة عن غيرها، ولأنه لو كانت عليه صلوات، فصلى أربعا ينوي بها مما عليه، فإنه لا يجزيه إجماعا، فلولا اشتراط التعيين لأجزأه" انتهى.
ولو أنه انتبه أثناء الصلاة فغير نيته وجعلها العصر؛ لم تصح صلاته أيضا؛ لأنه لم ينو العصر من أولها.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "قوله: وَإنِ انْتَقَلَ بِنِيَّةٍ مِنْ فَرْضٍ إلى فَرْضٍ بَطَلا، هذه هي الصورة الثانية من صور الانتقال من نيَّة إلى نية، وهي أن ينتقل من فرض إلى آخر.
مثال ذلك: شَرَعَ يُصلِّي العصر، ثم ذكر أنه صَلَّى الظُّهر على غير وُضُوء؛ فنوى أنها الظُّهر، فلا تصحُّ صلاة العصر، ولا صلاة الظُّهر؛ لأن الفرض الذي انتقل منه قد أبطله، والفرض الذي انتقل إليه لم ينوِه من أوِّلهِ" انتهى من "الشرح الممتع" (2/302).
ثانيا:
لا تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة الإمام، على الراجح.
فلو تبين أن الإمام كان محدثا مثلا-ناسيا أو عامدا-، فإن صلاته لا تنعقد، لكن تصح صلاة المأمومين خلفه، وهكذا لو تبين أنه لم ينو، أو نوى صلاة أخرى، صحت صلاة المأمومين؛ فلا ارتباط بين صلاة المأموم والإمام إذا كان المأموم معذورا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فصل في انعقاد صلاة المأموم بصلاة الإمام:
الناس فيه على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه لا ارتباط بينهما، وأن كل امرئ يصلي لنفسه، وفائدة الائتمام في تكثير الثواب بالجماعة، وهذا هو الغالب على أصل الشافعي، لكن قد عورض بمنعه اقتداءَ القارئ بالأمي، والرجل بالمرأة وإبطال صلاة المؤتم بمن لا صلاة له، كالكافر والمحدث.
وفي هذه المسائل كلام ليس هذا موضعه. ومن الحجة فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الأئمة: إن أحسنوا فلكم ولهم وإن أساءوا فلكم وعليهم.
والقول الثاني: أنها منعقدة بصلاة الإمام، وفرع عليها مطلقا، فكل خلل حصل في صلاة الإمام، يسري إلى صلاة المأموم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: الإمام ضامن .
وعلى هذا؛ فالمؤتم بالمحدِث الناسي لحدثه: يعيد، كما يعيد إمامه، وهذا مذهب أبي حنيفة، ورواية عن أحمد اختارها أبو الخطاب...
والقول الثالث: أنها منعقدة بصلاة الإمام، لكن إنما يسري النقص إلى صلاة المأموم مع عدم العذر منهما، فأما مع العذر فلا يسري النقص، فإذا كان الإمام يعتقد طهارته، فهو معذور في الإمامة، والمأموم معذور في الائتمام. وهذا قول مالك وأحمد وغيرهما، وعليه يتنزل ما يؤثر عن الصحابة في هذه المسألة، وهو أوسط الأقوال...
ويدل على صحة هذا القول: ما أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم؛ فهذا نص في أن الإمام إذا أخطأ كان درك خطئه عليه، لا على المأمومين. فمن صلى معتقدا طهارته، وكان محدثا أو جنبا أو كانت عليه نجاسة، وقلنا: عليه الإعادة للنجاسة كما يعيد من الحدث؛ فهذا الإمام مخطئ في هذا الاعتقاد، فيكون خطؤه عليه، فيعيد صلاته.
وأما المأمومون: فلهم هذه الصلاة، وليس عليهم من خطئه شيء، كما صرح به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا نص في إجزاء صلاتهم" انتهى من "مجموع الفتاوى" (23/ 370).
وقال السعدي رحمه الله :" المأموم المعذور الذي لا يعلم حدث إمامه ولا نجاسته، صلاته صحيحة، ولو كان الإمام عالمًا بحدث نفسه ونجاسته؛ لأن لكل نفس ما كسبت، وعليها ما اكتسبت، والمأموم لم يحصل له من مبطلات الصلاة ومفسداتها شيء، فكيف يحكم ببطلان صلاته؟!
بل الصواب أنها لا تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة إمامه في كل صورة، حتى ولو بطلت في أثناء الصلاة وخرج منها، فإن المأموم يبني على صلاته إما منفردًا، أو يصلي بهم أحدهم بقية صلاتهم، وهو رواية قوية عن الإمام أحمد " انتهى من"الفتاوى السعدية" (1 /167-168) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "والقول الثاني في المذهب الذي اختاره شيخ الإسلام وجماعة من أهل العلم: أنه يستخلف، وأن صلاة المأموم لا تبطل بصلاة الإمام، بل إذا بطلت صلاةُ الإمام بطلت صلاته فقط، وبقيت صلاةُ المأموم صحيحة، وهذا القول هو الصَّحيح.
ووجه ذلك: أن الأصل صِحَّة صلاة المأموم، ولا يمكن أن نُبْطِلها إلا بدليل صحيح، فالإمام بطلت صلاتُه بمقتضى الدَّليل الصَّحيح، لكن المأموم دخل بطاعة الله، وصَلَّى بأمر الله، فلا يمكن أن نُفْسد صلاته إلا بأمر الله. فأين الدَّليل من كتاب الله، أو سُنَّة رسوله، أو إجماع المسلمين على أن صلاة المأموم تبطل بصلاة الإمام؟
والارتباطات المذكورة لا تستلزم أن تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة الإمام.
واستدلَّ بعضُ أهل العلم: أن عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه لما طُعِنَ في صلاة الفجر؛ أمرَ عبد الرحمن بن عَوف أن يُصلِّي بالنَّاس؛ ولم يَرِدْ أنه استأنف الصَّلاة، ومعلومٌ أنَّ عمرَ رضي الله عنه سبقه الحَدَثُ وتكلَّم، وقال: أكَلَنِي الكلبُ.
وأيضاً: فإن عثمان رضي الله عنه صَلَّى بالنَّاس وهو جُنب ناسياً، فأعَاد ولم يعيدوا.
وأُورِدَ على أثر عثمان: بأن عثمان لم يذكر إلا بعد سلامه.
فنقول: إذا قلتم بأن جُملة الصَّلاة صحيحة لعدم عِلم المأموم، فصحَّة بعضها من باب أَولى، فلا فرق بين عِلم المأموم قبل السَّلام أو بعده، أما من عَلِمَ أن إمامه على غير وُضُوء، فلا يجوز له الدُّخول مع الإمام؛ لأنه ائتم بمن لا تصحُّ صلاتُه، وهذا تلاعب.
وبناءً على هذا القول؛ فإنه إذا سبق الإمامَ الحَدَثُ، أو ذَكَرَ أنه ليس على وُضُوء، فإنه يقدِّم أحدَ المأمومين ليتمَّ بهم الصَّلاة، ولا يَحِلُّ له أن يقول لهم: استأنفوا الصَّلاة؛ لأنه إذا قال: استأنفوا الصَّلاة أخرجهم من فرض، والخروج من الفرض لا يجوز إلا بسبب شرعي يُبيح ذلك، وليس هذا سبباً شرعيًّا" انتهى من "الشرح الممتع" (2/ 322).
والحاصل:
أن بطلان صلاة الإمام أو عدم انعقادها لكونه صلى محدثا، أو لم ينو، لا تبطل به صلاة المأمومين، فتلزمه وحده الإعادة، ولا تلزمهم.
والله أعلم
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |