عنوان الفتوى : التخيلات الغرامية بين المؤاخذة وعدمها
أريد أن أسالكم بخصوص الشذوذ. أنا لديّ صديقة قديمة، وانقطعت علاقتي بها. مرات أفكر فيها حنينًا فقط، أو أتخيل أنها تمسك يدي، وهكذا. فأشعر بدقات قلبي تتسارع، وأجد شعورا بالسعادة جدًا، والفرح، والاستمتاع. فهل ذلك يعد شهوةً؟ أم نقص حنان؟ أنا قلقة من ذلك كثيرا، مع العلم أن لو حدث ذلك في الواقع لن أشعر بهذا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذه الأفكار والتخيلات لا يلزم أن تكون شهوة. والأصل أنه لا مؤاخذة على المرء في حديث النفس، إن لم يترتب عليه قول، أو عمل؛ لما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن الله -عز وجل- تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل، أو تكلم به.
ولكن لا تجعلي لهذه الخواطر سبيلا للاستقرار في قلبك؛ لأن في ذلك تعريضا للنفس للمثيرات، والوساوس الشيطانية؛ فيكون ذلك مدعاة إلى ارتكاب المحرمات. بل ذكر أهل العلم أن الخواطر يؤاخذ صاحبها إن استقرت في قلبه؛ لكونها من عمل القلب.
قال ابن حجر في فتح الباري: قَالَ النَّوَوِيّ: فِي الْآيَة دَلِيل عَلَى الْمَذْهَب الصَّحِيح أَنَّ أَفْعَال الْقُلُوب يُؤَاخَذ بِهَا، إِنْ اِسْتَقَرَّتْ، وَأَمَّا قَوْله -صَلَّى الَه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ الله تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسهَا مَا لَمْ تَكَلَّمْ بِهِ، أَوْ تَعْمَل. فَمَحْمُول عَلَى مَا إِذَا لَمْ تَسْتَقِرّ. قُلْت (أي: ابن حجر): وَيُمْكِن أَنْ يُسْتَدَلّ لِذَلِكَ مِنْ عُمُوم قَوْله: (أَوْ تَعْمَل)؛ لِأَنَّ الِاعْتِقَاد هُوَ عَمَل الْقَلْب. اهـ.
وثبت في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنى، مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطى، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه.
فجعل الحديث الفكر بالقلب من أنواع الزنا المجازي، لكون ذلك وسيلة إليه.
والله أعلم.